تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولقد توسع علماء البلاغة القدامى والمحدثين ـ بالتبعية ـ في إيراد مبررات هذه العلاقة، وتفننوا بالتقسيمات المضنية، وتعللوا بالتخريجات المنطقية تارة، والكلامية أخرى، والنحوية سواهما، حتى بلغوا بذلك حد الإفراط، مما ذهب برونق هذه العلاقة المتينة وبهائها، فبدلا من حصرها، وتسليط الأضواء على مضمونها، لجأوا الى التفصيلات المملة، والأسماء المخترعة، فكانت السببية مثلا، والمسببية، والزمانية، والمكانية، والفاعلية، والمفعولية، والمصدرية وأضراب ذلك من نماذج علاقة المجاز العقلي.

وكانت: تسمية الكل باسم الجزء الذي لا غنى عنه في الدلالة على ذلك الكل، وتسمية الجزء باسم الكل، وتسمية المسبب باسم السبب، وتسمية السبب باسم المسبب، وتسمية الشيء باسم ما كان عليه، وتسميته باسم ما يكون عليه أو يؤول اليه، وإسناد الفاعلية أو الصفة الثبوتية للزمان، ووضع النداء موضع التعجب، وإطلاق الأمر وإرادة الخبر به، وإضفاء الفعل الحسي على الأمر المعنوي، والتغليب: بإعطاء الشيء حكم غيره، وأضراب ذلك من نماذج علاقة المجاز اللغوي المرسل.


(133)

ولا نريد أن نعيد هذا المعجم المشحون بنماذجه التطبيقية، إذ أفردناه فيما مضى بعمل بلاغي مستقل تابعنا فيه من سبق، فمن شاء فليرجع اليه ففيه الغنية والمزيد، من هذه الأبعاد الشاقة (1).
والذي نريد أن نشير اليه هنا، أن القرآن الكريم في نصه الإعجازي لم يكن ناظرا الى تلك التفصيلات لدى إيراده علاقة المجاز العقلي، وإنما كان متنقلا بالذهن العربي الى آفاق جديدة من التعبير الموحي والبيان الطلق، ومتحدثا الى الطبيعة الإنسانية بما يلائم فطرتها النقية، دون تزيد في المراد، أو عنت في الإداء، وكان انتشار العلاقة تابعا لمذاق الباحث في الاستنتاج، ولا تعنيه الأسماء والتقسيمات لأنها مع صنع البلاغيين، لهذا نجده في هذا الملحظ، وإن استخرج علماء البلاغة كل أصناف العلاقات من آياته الكريمة، يدور في فلك النفس فيملأ فراغها، ويسد نقصها، بما يجعلها أهلة لتلقي النص بذائقة سليمة، لهذا نجده يشيع الحس بالكائنات الصامتة، ويضفي القدرة على ما لا حول له ولا قوة، ويسند الفاعلية الى الجمادات، وإذا بها متحركة بعد سكون، ويستنطق المعالم المبهمة وإذا بها مبينة بعد سكوت، وما ذلك إلا من مظاهر الاعتداد بظاهرة المجاز البيانية، بعيدا عن التساؤلات المقحمة، أو الهذر في التفصيلات الأعجمية، وهو بهذا الملحظ يفجر روافد بلاغية جديدة، ذات إطار تجدّدي سليم، على مجموعة الممارسات البيانية الحسية والعقلية في اللغة العربية الكريمة، والتي يمكن أن ننظر لها بمجموعة فياضة من شتى العلاقات في المجاز العقلي للقرآن الكريم، دون اللجوء الى ظاهرة التعقيد أو التقعيد:
1 ـ في قوله تعالى: (إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون *) (2)، نسبت زيادة الإيمان الى آيات الله تعالى في قرآنه الكريم، ولما كان الأصل في الإيمان وزيادته هو التوفيق الإلهي الصادر عن الله عزّ وجلّ، علم بالضرورة أن نسبة زيادة الإيمان الى الآيات بإضافتها إليها، إعلاء منه تعالى لشأن هذه الآيات

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير