تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والفرق بين الإيضاح والتفسير أن التفسير تفصيل الإجمال، والإيضاح رفع الإشكال،

لأن المفسر من الكلام لا يكون فيه إشكال ألبتة،

وقد جاء من الإيضاح في الكتاب العزيز قوله تعالى "كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل" فإنه لو قدر الاقتصار على هذا المقدار لالتبس الأمر على المخاطب لكونه لا يدري هل أراد الله تعالى بقوله حكاية عنهم "هذا الذي رزقنا من قبل" الإشارة إلى صنف الثمرة، أو مقدار اللبس بقوله "وأتوا به متشابهاً" يعني والله أعلم أشياء يشبه بعضها بعضاً، وهي متغايرة الأصناف، لأن الوجه الثاني يوجب اللبس الذي وقع الفرار منه، لأنه لا يدري هل قولهم: "هذا الذي رزقنا من قبل" أي غير ما رزقنا، وحقيقته أو غيره، لكنه هو في المقدار مثله، فلما قال سبحانه: "وأتوا به متشابهاً" ارتفع هذا اللبس أيضاً لكون البلاغة تقتضيه، وإنما اقتضته البلاغة لكونه من المعلوم، إذ المداومة على مأكول واحد توجب السأم والملل، وإن كمال التنعم وتمام التفكه التلون في المطاعم، والتفنن في المآكل، فعلم من فحوى الخطاب أنه أراد سبحانه وهو أعلم الصنف لا المقدار ومن الإيضاح قوله تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم" وقال في غير هذا الموضع "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم" ثم قال سبحانه في الأولى: "نحن نرزقكم"، وفي الثانية: "نحن نرزقهم"، وإيضاح هذا الإشكال أن يقال: إنه سبحانه لما قال في الأولى "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق" دل هذا اللفظ على أن الفقر كان حاصلاً بقتلهم الأولاد بسبب وجوده، فلا جرم أنه سبحانه وتعالى قال: "نحن نرزقكم" أي ما يغني فقركم، ولما قال في الثانية "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق"، دل على أنهم أغنياء وإنما هم يخشون الفقر فلا جرم أنه قال: نحن نرزقهم، أي لا تظنوا أنكم ترزقون الأولاد من رزقكم فتفتقرون، نحن نرزقهم.

ومثل هذه الآية قوله تعالى: "إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي" فلقائل أن يقول: لم قدم التمدح بذكر الحب قبل النوى؟ ولم قال سبحانه: يخرج الحي من الميت، بلفظ الفعل؟، ثم قال: "ومخرج الميت من الحي" بلفظ الفاعل، والجواب أن يقال: تقديم الحب على النوى من المهم، والبلاغة تقديم المهم، كما قيل: إن المهم المقدم فإن ما كان مهماً فتقديم التمدح به أولى، لأنه قوت المخاطب وقوت دوابه، وذكر ذلك إنما هو في معرض الاعتداد بالنعم عليه، فكان تقديمه أولى، والنوى إنما ذكر لتتميم المعنى، ليكمل التمدح فإنه في ذكره إشارة إلى الاعتداد على المخاطب بما يتفكه به، وطريق التهذيب والترتيب أن يكون ذكر ما يتفكه به بعد ذكر الأقوات التي لا غنى عنها، ولا بد للحيوان منها.

وأما قوله: "يخرج الحي" بلفظ الفعل عند تقديم إخراج الحي لما في الحي من الحركة التي تعينه عند الخروج، فخروجه أسهل على مخرجه من خروج الميت من الحين فاقتضت البلاغة تقديمه بلفظ الفعل المقتضى للحال والاستقبال ليكون ذكر خروج الميت بعده انتقالاً من الأدنى إلى الأعلى، وجعل خروج الميت مستنداً إلى لفظ الفاعل المضاف الدال على المضي ليكون خروج الأصعب مفروغاً من وقوعه، ليكون أدل على القدرة وأبلغ في التمدح، والله أعلم.

ومن الإيضاح نوع يتقدم الإيضاح فيه على الإشكال كقوله تعالى: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" إذ لو لم تتقدم تسمية النساء بالحرث، وهو موضع الزرع لوهم متوهم من قوله "أنى شئتم" إباحة الوطء في غير المكان المشروع، والله أعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير