ومن فوائده: التنبيه على فضله حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات. ومن أمثلته قوله تعالى: " حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى " (البقرة: 238)، وقوله تعالى: " مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ " (البقرة: 98)، وقوله تعالى: " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ " (آل عمران: 104)، وقوله تعالى: " وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ " (الأعراف: 170)، فإن إقامتها من جملة التمسك بالكتاب وخصت بالذكر إظهاراً لرتبتها لكونها عماد الدين. وخُصّ جبريل وميكائيل بالذكر ردًا على اليهود في دعوى عداوته وضمّ إليه ميكائيل لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد كما أن جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: " وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ " (النساء: 110)، وقوله تعالى: " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ " (الأنعام: 96)، حيث خصّ المعطوف في الثانية بالذكر تنبيهًا على زيادة قبحه.
وضع الظاهر موضع المضمر:
ومن فوائده: التنبيه على علية الحكم، نحو قوله تعالى: " فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً " (البقرة: 59)، وقوله تعالى: " فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ " (البقرة: 98)، لم يقل لهم إعلامًا بأن من عادى هؤلاء فهو كافر وأن الله إنما عاداه لكفره.
ومن أدوات التنبيه أيضاً:
أداة الاستفهام " هل " التي لا تحتاج للجواب:
" هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا "؟ فقد جاء الجواب بعد ذلك مباشرة: " الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " (الكهف: 103)
" قل ":
فهي تقرع الأسماع، وتنشط الذاكرة، نحو قوله تعالى: " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا " (الكهف: 103)، وقوله تعالى: " قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا " (الكهف: 109)، وقوله تعالى: " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " (الكهف: 110).
ومن عناصر التنبيه في الكلام أيضاً لفت النظر إلى معانٍ دقيقة، لا يتنبّه لها الذهن العادي من أول وهلة، لكنه إذا لُفت نظره إليها، أو انتبه لها بنفسه أُعجب بها، وربما أحسّ أنه امتلك أمراً طريفاً لم يكن يخطر على باله.
ومن أمثلة هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ومَن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه "، وقوله عليه الصلاة والسلام: " ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب "، وقوله صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ضالماً أو مظلوماً " قيل: كيف أنصره ظالماً؟ قال: " تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره ".
فنبّه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأقوال على أفكار طريفة قلّما يتنبّه لها الذهن العادي، وقلّما تخطر على البال، لا سيّما ما جاء في بيان نصر الظالم، فمن المثير للاستغراب دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نصرة إخواننا الظالمين، لكن من المريح والمثير للإعجاب تفسير ذلك بحجزهم عن الظلم، وكفّهم عن ممارسته والقيام به، لئلا يوقعهم في المهالك.
ومن الأمثلة أيضاً قول المتنبي:
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم --- وجِدانُنا كل شيء بعدهم عدم
فإن صدر هذا البيت يشتمل على معنى مبذول، لكن لمّا جاء عجز البيت ارتقى الكلام ارتقاءً عالياً، إذ جعل حيازته لكل شيء بعد مفارقة ممدوحة عدماً أو بمثابة العدم. وهذا معنى دقيققلّما يخطر على البال، فندرة خطوره على البال لدى معظم الناس نبّه إلى قيمته الأدبية وأغلاها.
ـ[أنا البحر]ــــــــ[27 - 11 - 2005, 09:33 ص]ـ
بارك الله فيكما أستاذي الكريمين
و جزيتما
الخير على ما أفدتماني ...