قال أبو داود (5125): حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَعْلَمْتَهُ؟))، قَالَ: لا، قَالَ: ((أَعْلِمْهُ))، قَالَ فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ.وأخرجه كذلك أحمد (3/ 156،150)، وأبو القاسم البغوى ((مسند ابن الجعد)) (3193)، والحاكم (4/ 171)، والبيهقى ((شعب الإيمان)) (6/ 488/9006) من طرق عن مبارك بن فضالة بإسناده نحوه.
وتابعه عن ثابت البناني: الحسين بن واقد المروزى، وعبد الله بن الزبير الباهلي، وعمارة ابن زاذان الصيدلاني.
فقد أخرجه أحمد (3/ 140)، والنسائي ((الكبرى)) (6/ 54/10010) و ((اليوم والليلة)) (182)، وابن حبان (571)، والضياء ((المختارة)) (5/ 17/1619،1618) أربعتهم عن الحسين بن واقد، وأبو يعلى (6/ 162/3432)، وابن عدى ((الكامل)) (4/ 175) كلاهما عن عبد الله بن الزبير الباهلي، والبخاري ((التاريخ الكبير)) (2/ 318/2607)، وابن أبى الدنيا ((الإخوان)) (71) كلاهما عن عمارة بن زاذان، ثلاثتهم عن ثابت البناني عن أنس بنحو حديث مبارك بن فضالة.
قلتُ: هكذا رواه هؤلاء الأربعة: المبارك والحسين والباهلي وعمارة، فقالوا ((عن ثابت عن أنس))، وهؤلاء الرواة يشدّ بعضُهم أزر بعضٍ، إذ لا يخلو واحدٌ منهم من مقالٍ، وأمثلهم المبارك بن فضالة، لكنه مدلس، وقد صرّح هاهنا بالسماع من ثابت البناني، ولهذا صحح حديثه الأئمة: ابن حبان، والحاكم، والضياء المقدسي وغيرهم.
وقد خالف الأربعة مجتمعين: حماد بن سلمة، والحديث له دونهم، فهو أعلم وأحفظ وأضبط الناس لحديث ثابت البناني. وكيف لا، وهو ربيبه!. قال يحيى بن معين: من خالف حماد بن سلمة في ثابتٍ فالقول قول حماد، وحماد أعلم الناس بثابتٍ. وقال أبو حاتم الرازي: حماد بن سلمة في ثابتٍ وعلي بن زيد أحبّ إليَّ من همام، وهو أضبط الناس وأعلمهم بحديثهما، بيَّن خطأ الناس في حديثهما.
واختلف أصحاب حماد بن سلمة على هذا الحديث على أربع وجوه:
[الأول] رواه أثبت أصحابه وأحفظهم: سليمان بن حرب عنه ((عن ثابت عن حبيب ابن سبيعة عن الحارث عن رجل من أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)).
وتابعه على هذا الوجه: الحسن بن موسى، وحجاج بن منهال، إلا أنهما قالا ((ابن أبى سبيعة الضبعى)). وهذا الوجه أصحها، والقول قول سليمان بن حرب.
أخرجه البخاري ((التاريخ الكبير)) (2/ 318/2607) عن سليمان بن حرب، والنسائي ((السنن الكبرى)) (6/ 54/10012،10011) و ((اليوم والليلة)) (184،183) عن الحسن بن موسى وحجاج بن منهال، وعبد بن حميد ((المنتخب)) (444) عن الحسن بن موسى، ثلاثتهم قالوا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن حبيب ـ قال سليمان بن حرب: ابن سبيعة، وقال الآخران: ابن أبي سبيعة الضبعي ـ عن الحارث أن رجلاً حدَّثه: أنَّه كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذَا الرجلَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَعْلَمْتَهُ))، قَالَ: لا، قَالَ: ((فَاذْهَبْ إلِيهِ، فَأَعْلِمْهُ))، قَالَ: فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ. قال أبو عبد الرحمن النسائي: ((وهذا الصواب عندنا، وحديث حسين بن واقد ـ يعنى ومن تابعه ـ خطأ، وحماد بن سلمة أثبت وأعلم بحديث ثابت البنانى من حسين بن واقد والله أعلم)).
وقال أبو الحسن الدارقطني: ((والقول قول حماد)).
[الثاني] قال موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن ثابت عن حبيب بن سبيعة عن رجلٍ حدثه أنه كان إلى جنب النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمر به رجل. هكذا أسقط من إسناده الحارث، ولم يذكره.
أخرجه هكذا البخاري ((التاريخ)) (2/ 318/2607) قال: قال موسى بن إسماعيل به.
[الثالث] قال عبد الله بن المبارك عن حماد عن ثابت عن حبيب بن ضبيعة أن رجلاً أتى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هكذا أرسله، وسمَّى التابعي ((ابن ضبيعة)).
أخرجه هكذا البخاري ((التاريخ)) (2/ 318) عن بشر بن محمد المروزى، وابن أبى الدنيا ((الأخوان)) (70) عن أحمد بن جميل المروزى، كلاهما عن ابن المبارك به.
[الرابع] وشذا مؤمل بن إسماعيل، فرواه عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، كرواية المبارك بن فضالة ومن تابعه. وزاد في متنه ((فَأَخْبِرْهُ تَثْبُتِ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا)).
أخرجه أحمد (3/ 241)، ومن طريقه الضياء ((المختارة)) (5/ 78/1703) قال: حدثنا مؤمل ثنا حماد ثنا ثابت عن أنس به بهذه الزيادة.
والخلاصة، فالحديث ثابت معروف من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن حبيب بن سبيعة عن الحارث عن رجل من أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والحكم فيه لحماد على هذا الجمع الكثير، لا لهم، لأنه الحجة في حديث ثابت.
[ثالثاً] الجمع والتفريق بين ثقة وحجة. إذا بانت لك معاني الحجة في كلامهم، فلننظر الآن في الفرق بينه وبين الثقة. ولنضرب له موعداً آخر، فإن الكلام عليه طويل الذيل بعيد المرامي. ونفعني الله وإياكم بما علمنا. إنه نعم المولى ونعم النصير.
¥