تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكأن يقول الراوي مثلاً: حدّثنا فلان وكان قاضياً، أو كان غزّاء، أو كان قارئاً، مع أنّه ما روى عنه غيره، فأي معلومات مع رواية هذا الرجل ترفع أيضاً جهالة عينه، ويبقى مجهول الحال (18).

وأمّا مجهول الحال: فهو الرجل الذي نعرف عينه، لكن لا نعرف حاله الظاهرة ولا الباطنة (19).

وما هو المقصود بالحالة الظاهرة؟ المقصود بذلك مثل وجوده في الصلاة يصلي مع المسلمين، وعند الحج يحج مع المسلمين، فلو كنّا نعلم شخصاً مجهول الحال، لكن ما رأيناه يصلي معنا، ولا رأيناه يحج معنا، فحاله الظاهر مجهول، والحالة الباطنة ما عرفناها، وهل الحالة الباطنة هي ادعاء علم الغيب، كما ااستنكر ذلك الإمام الصنعاني – رحمه الله تعالى – في كتابه «توضيح الأفكار» (20)؟!.

وقال: إنّ الحالة الباطنة علم غيبي لا يعلمه إلا الله؟ الجواب: لا، فالحالة الباطنة المقصود بها التعامل مع الرجل، كما ثبت عن عمر – رضي الله عنه – وهذا الأثر قد صححه شيخنا الألباني – رحمه الله – في «إرواء الغليل»، فيما معناه أنَّ رجلاً شهد عند عمر بشهادة، فقال: من يزكي هذا الرجل؟ فقام رجل فقال: أنا، قال: هل أنت جاره تعرف ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: هل تعاملت معه في الدنيا أي: رأيته يماطل في الديون أم لا؟ قال: لا، قال: هل سافرت معه لتعرف أخلاقه؟ أم لا؟ قال: لا، قال: اجلس فلا أراك تعرفه» الأثر ذكره شيخنا الألباني – رحمه الله – في «الإرواء» (21).

فالشاهد من هذا أنّ هذه عدالته الباطنة، فالعدالة عدالة ظاهرة، وعدالة باطنة، وكل هذا في باب العدالة لا يدخل الضبط في ذلك، وعلى هذا فما هو الفرق بين مجهول الحال والمستور؟

الجواب: أنَّ المستور من عُلِمَت‘ عدالته الظاهرة، أي: رأينا يصلي، أو رأيناه يحج، لكن العدالة الباطنة لم تظهر لنا؛ لأننا ما تعاملنا معه (22).

وأما مجهول الحال: ما علمنا عدالته لا ظاهراً، ولا باطناً، هذا هو الفرق بينهما، والكلام كله في حيز العدالة والأمانة، أمّا باب الضبط فأمر مجهول عند المستور وعند مجهول الحال، ومجهول الحال والمستور يستشهد بهما، وقد حدث خطأ، أو سبق قلم من الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله تعالى – حين ذكر أنّ المجهول والمستور، والضعيف لا يستشهد بهم كما في «الباعث الحثيث» (ص:101) وهذا خطأ؛ لأنّ الواضح من صنيع الشيخ – رحمه الله – أنّه يستشهد بهؤلاء، بل وبأقل من هؤلاء.

فالمقصود أنَّ مجهول الحال يصلح في الشواهد والمتابعات، وكذا المستور، أمّا مجهول العين فلا يصلح في الشواهد والمتابعات، إلا إذا كثرت الطرق كثرة ترجح لدى الباحث صحة الحديث وثبوته، فمجهول ومجهول لا يستشهد بهما، وإن كان شيخنا الألباني – رحمه الله تعالى – في بعض المواضع يستشهد بهما (23)، مع أنني قد سألته – حفظه الله – في المدينة – مدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم – على نفس هذه المسألة، فقال: إنَّ المنقطع لا يتقوى بالمنقطع، ومجهول العين لا يتقوى بمجهول العين، إلا إذا كثرت الطرق كثرة تطمئن النفس على ثبوت الحديث بها (24).

قلت: ويدل على ما قلته: أن بعض العلماء يقول في الأسانيد التي فيها: حدّثني جماعة، أو حدّثني جماعة من الحيّ، أو حدّثني قوم بكذا، فيقول: هؤلاء جمع وتنجبر جهالتهم، وفي «صحيح البخاري» حديث من هذا القبيل في قصة وقعت لعروة البارقي (25).

(استدراك): قد بيَّنْت في غير هذا الموضع – كما سيأتي إن شاء الله تعالى – أن مجهول العين يستشهد به كمجهول الحال، ما لم تظهر نكارة في السند أم المتن، والله أعلم.

بقي أن يقال: ما الفرق بين المجهول والمبهم والمهمل.

المبهم: كأن يقول الراوي: حدثني شيخ أو حدثني رجل فهذا مبهم (26)

وأما المجهول فكأن يقول المحدّث: حدَّثني فلان بن فلان؛ ويرجع إلى تفاصيل جهالته! جهالة عين أو حال، وهو من لم يتكلّم فيه بمدح أو قدح.

وأمّا المهمل: فكأن يقول المحدّث: حدّثني محمد، والمحمدون كثير، لا ندري من يعني من المحمدين؟ وقد يقول: حدّثني محمد بن عبدالله، ومن يقال له: محمد بن عبدالله كثيرون، لا يتأتّى لنا أن نعرف هذا من هذا، فحينئذ يكون مهملاً، فيجب أن نميز بين الأنواع كي لا تتداخل، وهذا كلّه قد بيّنه أهل العلم فجزاهم الله عنّا خيراً.

****************************

الحواشي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير