وقال مؤلفا تحرير التقريب (1/ 46): «وما بقي من قوله [يعنيان أقوال ابن حجر في أصحاب هذه المرتبة الخامسة في التقريب] ولم نعلق عليه فهو من هذه البابة» (10)، أي بابة الضعيف الذي يعتبر به في المتابعات والشواهد.
وانظر النكت لابن حجر (1/ 387) والانوار الكاشفة للمعلمي (ص305) و (اتحاف النبيل) لأبي الحسن المصري (ص87) وتحريرالتقريب (1/ 17).
وذهب جماعة من المعاصرين إلى تحسين أحاديث رجال هذه المرتبة كما صرح به البقاعي من قَبْلُ، منهم الشيخ الألباني (11)، ومنهم الشيخ شعيب الارنؤوط في عامة تخريجاته خلافاً لما حرره هو في (تحرير التقريب) (12)!! ومنهم الدكتور وليد العاني رحمه الله، بل انه ادعى ان حديث هذه المرتبة حسن عند ابن حجر نفسه (13). ولا يتهيأ لي الآن الجزم في هذه القضية بشيء، فإنها يعوزها المزيد من البحث والتحقيق، ولكن الذي أميل إليه الآن هو قول العلامة الشيخ أحمد شاكر ومن وافقه عليه، والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: يظهر أن مراده بقوله (ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة) الصدوق الذي رماه النقاد ببدعة أي الراوي الذي لولا ذلك الرمي لكان عند ابن حجر في المرتبة الرابعة لا الخامسة (14) ؛ وإن ثبت أن هذا هو مراده بها فهو عجيب منه رحمه الله، فإن ذلك الحكم بكلمة (صدوق) على ذلك الراوي له احتمالان:
الاحتمال الأول: أنه كان قبل اعتبار أثر البدعة في الحكم، وفي هذه الحالة إن كانت بدعته غير مؤثرة في الحكم فذلك يقتضي أن يبقى صدوقاً من أهل المرتبة الرابعة، وأما إن كانت مؤثرة فكيف حكمنا عليه بأنه صدوق قبل اعتبار هذا الأمر المؤثر في الحكم؟! وهل يصح عند إرادة الحكم على الراوي أن يجزئ الناقد صفات ذلك الراوي المؤثرة في الحكم عليه؟ إن الصحيح أنه ينظر في مجموع تلك الصفات ثم يحكم على الراوي بمقتضى ذلك.
الاحتمال الثاني: أنه كان بعد اعتبار أثر البدعة، وهنا يقال: إن كانت بدعته غير مؤثرة في الحكم عليه فينبغي أن يبقى صدوقاً (15)؛ وأما إن كانت مؤثرة فقد أخذنا أثرها عند الحكم عليه بأنه صدوق فكيف نأخذه مرة أخرى، فكأننا – إذا فعلنا ذلك – هنا أعملنا البدعة في الحكم على الراوي مرتين، ففي المرة الأولى أنزلناه ببدعته من ثقة إلى صدوق، وفي المرة الثانية أنزلناه ببدعته نفسها من مرتبة الصدوق وهي الرابعة إلى مرتبة أدنى وهي الخامسة.
ثم إن البدع من حيث تأثيرها على أحوال أصحابها في الرواية نوعان لا ثالث لهما أو طرفان لا وسط بينهما:
النوع الأول: بدع مسقطة للعدالة فحكم أصحابها الترك.
والنوع الثاني: بدع غير قادحة في عدالة الراوي أصلاً فلا تؤثر على حاله في الرواية البتة.
ومعلوم أن ضبط الراوي لا دخل فيه للبدعة أصلاً.
فالتحقيق أن كل بدعة في راو فهي إما أن تنزل به الى المرتبة العاشرة الآتية أو ما هو أسوأ منها أو لا تؤثر عليه أصلاً، فلا يوجد بدعة ينزل بسببها صاحبها من المرتبة الثانية أو الثالثة مثلا الى الرابعة أو الخامسة أو الى مرتبة أخرى فوق العاشرة. وانظر ما كتبه محمد عوامة في مقدمته على التقريب (ص26 - 27) (16).
الثاني: التغير في اصطلاح المتأخرين أخف من الاختلاط، فقد يقول قائل: الظاهر أن الإختلاط غير داخل في قوله (أو تغير بأخرة)، ولكن يَرِدُ على هذا القول سؤال من يقول: أين وضع ابن حجر المختلطين بأخرة من الصدوقين من رجال التقريب؟! وقد يجاب عنه بأن المختلط بأخرة لم يكونوا قبل الاختلاط في مرتبة واحدة، فمنهم من كان ثقة ثبتاً ثم اختلط بأخرة ومنهم من كان ثقة أو صدوقاً أو صدوقاً يخطئ أو ضعيفاً ثم اختلط بأخرة فلعل ابن حجر راعى هذه المسألة فلم يذكر المختلطين في خطبة كتابه عند ذكره لمراتب رجاله، ثم ذكر أولئك المختلطين بالوصف الذي يستحقونه قبل الاختلاط وبعده، فيقول في أحدهم: (ثقة اختلط بأخرة) وفي الآخر: (صدوق اختلط بأخرة) ونحو ذلك، وكل بحسب حاله قبل الاختلاط وبعده (17).
الثالث: ان الصدوقين الذين تغيروا بأخرة لا يسلم أن يجعلوا تحت حكم واحد لأنهم متفاوتون في نسبة ما حدثوا به بعد التغير الى ماحدثوا به قبله، وفي مقدار تغيرهم، فمنهم من يستقيم وضعه في المرتبة الخامسة، ومنهم من يجب أن يحط عنها الى بعض ما دونها من المراتب.
¥