تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأصل هذه الدعوى جواب لابن معين على سؤال توجه به إليه تلميذه ابن أبي خيثمة كما رواه هذا التلميذ في (أخبار المكيين) من (تاريخه)، ورواه من طريقه كل من ابن شاهين في (تاريخ أسماء الضعفاء) (ص42)، وفي (الثقات) أيضاً؛ والخطيب في الكفاية (ص22)؛ قال ابن أبي خيثمة – والنقل من كفاية الخطيب -: (قلت ليحيى بن معين: إنك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف؟ قال: إذا قلت لك: ليس به بأس، فهو ثقة، وإذا قلت لك: هو ضعيف، فليس هو بثقة، لا يكتب حديثه). انتهى.

وهذا الخبر لا يكفي للاستناد عليه فيما ذهبا إليه؛ وإيضاح ذلك أن جواب ابن معين المذكور يحتمل ثلاثة معان:

الأول منها: ما ذكراه من التسوية في المعنى عند ابن معين بين قوله (لا بأس به) وقوله (ثقة)؛ ولقد سبقهما إلى ذلك بعض المتأخرين ومنهم ابن حجر في بعض المواضع من كتبه كما في (مقدمة الفتح) (ص633) في ترجمة يونس بن أبي الفرات.

والثاني: أن لفظة (ليس به بأس) لها عند ابن معين رتبة متوسطة بين رتبتي (ثقة) و (لا بأس به) عند الجمهور، وهذا التفسير يظهر أنه معنى كلام الحافظ العراقي إذ قال في (شرح ألفيته) (2/ 7 - 8): (لم يقل ابن معين ان قولي (ليس به بأس) كقولي (ثقة)، حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين؛ إنما قال ان من قال فيه هذا فهو ثقة. وللثقة مراتب، فالتعبير عنه بقولهم (ثقة) أرفع من التعبير عنه بأنه (لا بأس به) وإن اشتركا في مطلق الثقة، والله أعلم) ((1)).

وقال السخاوي في (فتح المغيث) (1/ 368) عقب كلام في هذه النقطة: (وأجاب الشارح [يعني العراقي] أيضاً بما حاصله أن ابن معين لم يصرح بالتسوية بينهما، بل أشركهما في مطلق الثقة، وذلك لا يمنع ما تقدم ((2))، وهو حسن، وكذا أيده غيره بأنهم قد يطلقون الوصف بالثقة على من كان مقبولاً ولو لم يكن ضابطاً، فقول ابن معين هنا يتمشى عليه) ((3)).

وانظر (قواعد التهانوي) (ص250 - 251).

والثالث: أن (ليس به بأس) تعني عند ابن معين إذا قالها في الراوي ما يعنيه بها سائر النقاد، واختيار هذا الوجه لا يقتضي أكثر من حمل كلام ابن معين هذا على غير ظاهره المتبادر، وما ذلك بغريب ولا ممتنع، فابن أبي خيثمة سأله إما عن مراده بقوله (لا بأس به) وبقوله (ضعيف) أو عن الفرق بينهما عنده لأنه ما كان يعرف ذلك حق المعرفة؛ فاستعمل ابن معين في جوابه كلمة معروفة المعنى عند السائل وهي كلمة (ثقة)، ومراده القبول والاحتجاج، وتوسع في استعمال هذه الكلمة، وسوغ ذلك التوسع عنده أمور، منها أن ذلك يقع من المحدثين أحياناً كما ورد في كلام السخاوي المنقول قبل قليل، ومنها ما ذكرته من حاجة السائل إلى كلمة واضحة المعنى، ومنها أن السائل سأل عنها مقرونة بلفظة ضعيف، ومنها ما قد يكون هناك من أمور أخرى راجعة إلى مقتضى مراعاة النقاد أحوال السائلين وصفاتهم ومقاصدهم وهيئة السؤال والمجلس وما إلى ذلك مما يكون له أثر في جواب المسؤول للسائل.

...

هذه ثلاثة معان - أو مقتضيات - يحتملها جواب ابن معين لابن أبي خيثمة؛ فما هو الراجح يا ترى؟

أما الاحتمال الأول فضعيف مستبعد؛ ويأتيك بعد قليل دليل هذا التضعيف والاستبعاد؛ وأما الثاني والثالث فهما الاحتمالان القويان القريبان؛ ولا يبعد أن يكونا جميعاً واردين في مراد ابن معين؛ وذلك بأن يكون ابن معين يطلق لفظة (لا بأس به) أحياناً على معناها المعروف عند جمهور المحدثين؛ وأحياناً يصف بها الرواة الذين يقعون في مرتبتهم بين الرواة الذين يصفهم الجمهور بلفظة (لا بأس به) والرواة الذين يصفونهم – أعني الجمهور أيضاً – بلفظة (ثقة)؛ ويكون معنى ذلك أن ابن معين رحمه الله كان أحياناً يشح بإطلاق لفظة التوثيق التام على غير المتقنين الأثبات؛ وهذا ضرب من التشدد، وابن معين قد وصف بالتشدد في الجملة.

فإن قيل: لو افترضنا – جدلاً - أن الأدلة الكافية ستقوم على عدم صحة هذا الجمع بين هذين الاحتمالين الموصوفين بالقوة والقرب، وأنه لا بد من الاقتصار على قبول أحدهما مفرداً فما هو المختار منهما؟

فالجواب على ذلك هو أن الاحتمال الأخير الثالث هو الأظهر، وذلك لأمور:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير