(10) أَوَلَيس رواية ثلاثة من الثقات الأثبات المتثبتين الذين لا يدلسون، عن شيخ لهم ـ لا يروي عنه غيرهم ـ عشرة أحاديث مستقيمة معروفة أنفع له ـ بيقين ـ وأقوى لحاله وأولى بتقويته من رواية أربعة آخرين بدلهم يروون عنه حديثا واحداً غريباً، وأحدهم مثلاً صدوق يخطئ، والثاني لين الحديث أو ضعيفه، والثالث لا يُدرى ألقيه أم لا، والرابع ثقة ولكنه عنعنه وهو مدلس، أو من رواية أربعة يكون في الأسانيد إليهم من هم كذلك؟!
(11) وممن يقاربهما في الجملة في هذا المذهب الشيخ الألباني رحمه الله؛ فإنه حسن في مواضع كثيرة من (السلسلة الصحيحة) وغيرها حديث الراوي الذي يوثقه ابن حبان ويروي عنه ثلاثة رواة أو أكثر ولم يخالف، من ذلك قوله في الغاز بن ربيعة: «وقد وثقه ابن حبان (5/ 294)، وترجم له ابن عساكر برواية ثلاثة عنه فمثله حسن الحديث إذا لم يخالف كما هنا»؛ بل إنه صرح بهذه القاعدة حيث قال في مقدمة (تمام المنة) (ص25):
«وإن مما يجب التنبيه عليه أيضاً: أنه ينبغي أن يضم إلى ما ذكره المعلمي [يعني في تفصيله الآتي بعد قليل] أمر آخر هام، عرفته بالممارسة لهذا العلم، قل من نبه عليه، وغفل عنه جماهير الطلاب، وهو أن من وثقه ابن حبان وقد روى عنه جمع من الثقات ولم يأت بما ينكر عليه، فهو صدوق يحتج به، وبناء على ذلك قويت بعض الأحاديث التي هي من هذا القبيل».
قلت: من المعلوم أن الممارسة ليست برهاناً على صحة القاعدة، ولكنها سبب التوصل إليها، فذكره الممارسة لا يغني عن ذكر دليل القاعدة ولم يذكره؛ ثم انه يظهر ان معنى كلامه بحسب السياق والعرف انه لم يسبق الى ذلك، ولقد سبقه – بحسب قول الذهبي، وهو غريب – الجمهور، فقد قال في ترجمة حفص بن بغيل من (الميزان): «والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح»؛ وقريب منه ما نقله ابن القطان الفاسي في (الوهم والإيهام) (2/ 135ب) في بيان أحكام من سكت عليهم ابن أبي حاتم في كتابه (الجرح والتعديل)، قال:
«قسم لم يرو عن أحدهم إلا واحد فهذا لا تقبل روايته، وقسم روى عنهم أكثر من واحد فهؤلاء هم المساتير الذين اختلف في قبول رواياتهم، فطائفة من المحدثين تقبل رواية أحدهم اعتماداً على ما ثبت من إسلامه برواية عدلين عنه شريعة من الشرائع، وما عهدناهم يروون الدين والشرع إلا عن مسلم، وهم لا يبتغون في الشاهد والراوي مزيداً على إسلامه، بل يقبلون منها ما لم تتبين جرحة فيعمل بحسبها. وطائفة ردت هذا النوع، وهم الذين يلتمسون في الشاهد والراوي مزيداً على إسلامه وهو العدالة».
ونحوهما قول الذهبي في (الموقظة) (ص78 - 79): «وقد اشتهر عند طوائف من المتأخرين إطلاق اسم الثقة على من لم يجرح مع ارتفاع الجهالة عنه؛ وهذا يسمى مستوراً، ويسمى محله الصدق، ويقال فيه: شيخ».
(12) وانظر خروجهما عن هذه القاعدة في (التحرير) (1/ 372).
(13) أي أحاديث أولئك الذين لم يدركوهم.
(14) ونحو هذه العبارة قولهما (1/ 270): «ينبغي التنبيه أن تدليس الحسن قادح إذا كان عن صحابي، أما إذا كان عن تابعي فلا، ولا بد من هذا القيد».
(15) وكأنهما يثبتان عليهم الإرسال الخفي فقط.
(16) وبما ذكرته في هذه الفقرة يعلم حال تفصيلهما في تدليس زكريا بن أبي زائدة (1/ 416)، وحال سائر أقوالهما الراجعة إلى هذا المذهب.
(17) من ذلك التعنت قولهما في شباك (2/ 104): «قوله [أي ابن حجر]: (وكان يدلس) فيه نظر، فلم يصفه بالتدليس سوى الحاكم في (علوم الحديث)؛ وزاد المؤلف في (طبقات المدلسين) (38): والدارقطني؛ وقد أطلق توثيقه الأئمة ولم يذكروا شيئاً عن تدليسه ---»؛ وقالا في ترجمة عبد الملك بن عمير (2/ 387): «أما قوله ربما دلس فإنه أخذها من ابن حبان، ونقل في (طبقات المدلسين) عن الدارقطني وصفه بالتدليس، ولعل ذلك لكونه كان يرسل عن بعض الصحابة --».
وإذا تتبعت كلامهما فيمن وصفوا في (التقريب) بالتدليس بان لك ما وصفت، ومن مواضعه هذه الصفحات (1/ 149و270و275 - 276و326) و (2/ 5 و 115 و 278 و 346 و 426 و 441) و (3/ 17 و 27 و 386) و (4/ 99 و 439 - 440).
وقالا في ترجمة الحسن بن علي بن راشد (ا/275 - 276): «أما قوله: رمي بشيء من التدليس، فلم نجد له فيه سلفاً فينظر».
¥