تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن كامل: فأول ما كتب الحديث ببلده ثم بالري وما جاورها وأكثر من الشيوخ حتى حصل كثيرا من العلم، وأكثر من محمد بن حميد الرازي، ومن المثنى بن إبراهيم الأبلّي غيرهما، قال أبو جعفر: كنا نكتب عند محمد بن حميد ا لرازي فيخرج إلينا في الليل مرات ويسألنا عما كتبناه ويقرأه علينا، قال: وكنا نمضي إلى أحمد بن حماد الدولابي وكان في قرية من قرى الري بينها وبين الري قطعة، ثم نعدو كالمجانين حتى نصير إلى ابن حميد، فنلحق مجلسه ([12]).

رحلاته لطلب العلم:

رحلته إلى عراق:

لما انتهى الإمام ابن جرير من كتابة مشايخ بلده حببت إليه الرحلة في طلب العلم فارتحل إلى بغداد (مدينة السلام) وكان في نفسه أن يسمع من أبي عبد الله أحمد بن حنبل (رحمه الله) لكن الأقدار لم تحقق له ما كان يأمله، إذ توفي الإمام أحمد قبل أن يصل الإمام أبو جعفر إلى بغداد، وعلم بوفاته وهو على مقربة منها، فأقام فيها وكتب عن شيوخها فأكثر، ثم اتجه إلى البصرة وسمع من علمائها، فسمع من محمد بن موسى الحرشي، وعماد بن موسى القزار، ومحمد ابن عبد الأعلى الصنعاني، وبشر بن معاذ، ومحمد بن بشار المعروف ببندار، وأبي الأشعث، ومحمد بن المعلى وغيرهم، ثم سار إلى الكوفة، فكتب الحديث عن هناد بن السري، وإسماعيل بن موسى، وأبي كريب محمد بن العلاء الهمداني وأخذ القراءات عن سليمان الطلحي.

وتبين لزملاء الإمام الطبري أنه أقدرهم وأحفظهم، وتبين لشيخهم أبي كريب أن الطبري أنبغهم، وكان أبو كريب من كبار علماء الحديث، لكن كانت فيه شراسة وشدة، وقد وصف الطبري لقاءه لتلاميذه مرة، فقال: "حضرت باب داره مع أصحاب الحديث، فاطلع من باب خوخة ([13]) له، وأصحاب الحديث يلتمسون الدخول ويضجون، فقال: "أيكم يحفظ ما كتبه عني"؟ فالتفت بعضهم إلى بعض، ثم نظروا إليّ وقالوا: "أنت تحفظ ما كتبت عنه قال: قلت نعم، فقالوا: هذا فاسأله، فقلت: "حدثتنا في كذا بكذا، وفي يوم كذا بكذا قال: فأخذ أبو كريب في مسألة إلى أن عظم في نفسه، فقال له: ادخل إلي، فدخل إليه، وعرف قدره على حداثته ومكنه من حديثه، وكان الناس يسمعون به، فيقال: إنه سمع من أبي كريب أكثر من مائة ألف حديث ([14]).

رحلته إلى مصر:

ثم بعد أن قضى نحبه في عراق قصد مصر حتى يستقي من ينابيعه الصافية، ولكن في طريقه إلى مصر عرج به شوق المعرفة إلى الشام، فأقام في بيروت مدة يلقى فيها العباس بن الوليد المقرئ، ويقرأ عليه القرآن كله برواية الشاميين.

فلما قضى من الشام حاجته ذهب إلى مصر، فوصل إليها سنة ثلاث وخمسين ومائتين، وأقام مدة بالفسطاط، ثم رجع إلى الشام فلما حصل ما بقي من العلم فيها عاد مرة ثانية إلى مصر، وقد كانت مصر حينئذ غنية بعلمائها الذين استفاد الإمام الطبري منهم.

فدرس في مصر فقه الإمام الشافعي على الربيع بن سليمان المرادي، وإسماعيل بن إبراهيم المزني، ومحمد بن عبد الله بن الحكم، وأخيه عبد الرحمن، ودرس فقه الإمام مالك على تلاميذ ابن وهب، واجتمع فيها بمحمد بن إسحاق بن خزيمة، وقرأ كتابه في السيرة، واعتمد عليه في مصادر تاريخية.

وقد اجتمع بمصر في ذلك الوقت أربعة من العلماء الوافدين إسم كل منهم "محمد" وهم: محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني ([15])، وقد حصل لهم أنهم أرملوا، وافتقروا، ولم يبق عندهم ما يقوتهم، ولحق بهم الضرر، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه، واتفقوا على أن يستهموا، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق، فقال لأصحابه: "أمهلوني حتى أتوضأ، وأصلي صلاة الخيرة، قال: فاندفع في الصلاة، فإذا هم بالشموع، وخصي من قبل والي مصر يدق عليهم الباب، ففتحوا له، فقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هذا، وأشاروا إليه، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا، فدفعها إليه، ثم قال: أيكم محمد بن جرير؟ فأشاروا إليه، فدفع إليه خمسين دينارا، ثم قال: أيكم محمد بن هارون؟ فقيل له هذا، فدفع إليه مثلها، ثم قال: وأيكم محمد بن إسحاق؟ فقالوا: هو ذا يصلي، فلما فرغ من صلاته دفع إليه صرة فيها خمسون دينارا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير