ويقول الإمام ابن كثير (رحمه الله): "كان من العبادة، والزهادة، والورع، والقيام في الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم، وكان حسن الصوت بالقراءة مع المعرفة التامة بالقراءات على أحسن الصفات، وكان من كبار الصالحين" ([36]).
وقال أبو حامد الاسفراييني: لو سافر رجل إلى الصين، حتى ينظر في كتاب ابن جرير الطبري لم يكن ذلك كثيرا" ([37]).
عقيدته:
قد وقع ضجاج كبير حول عقيدة هذا الإمام الجليل، فرماه بعضهم بالرفض والاعتزال الذين هو منهما بريء، ومما حفظ لنا يدل على أنه على عقيدة أهل السنة والجماعة.
وقد خالف الإمام الطبري المعتزلة في جميع ما خالفوا فيه الجماعة، خالفهم في قولهم بقدرة العباد، وفي قولهم بخلق القرآن، وفي قولهم بابطال رؤية الله يوم القيامة، وفي قولهم فيما ذهبوا إليه من تخليد أهل الكبائر في النار، وخالف مذهبهم في ابطال شفاعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وغير ذلك في آرائهم الباطلة ([38]).
هل كان متشيعا؟:
نسب إليه بعض المؤرخين ميلا إلى التشيع، فقال الإمام الذهبي (رحمه الله):" ثقة صادق فيه تشيع يسير، وموالاة لا تضر" ([39]) ، وقد بالغ أحمد بن علي السليماني الحافظ، فقال: "كان يضع للروافض"، ولكن الإمام الذهبي رد على السليماني وقال: " وهذا رجم بالظن الكاذب، بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين، وما ندعي عصمته من الخطأ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل، والهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنى فيه، ولا سيما في مثل إمام كبير" ([40]).
لما ذا رمي بالتشيع؟:
لعل مرد تهمة الإمام الطبري بالتشيع إلى عدة أسباب:
1 - أنه ألف كتابا في فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وردّ على بعض علماء بغداد الذين أنكروا ما روي حول غدير خم.
2 - أن بعضهم خلط بين إسم الإمام الطبري، وإسم عالم آخر يماثله، ولا يخالفه إلا في إسم الجد، وهو أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، وقد كان رافضيا، وله مؤلفات منها: كتاب الرواة عن أهل البيت ([41]).
3- ظن بعض الناس أنه قال بجواز مسح الرجلين مكان غسلهما، على قراءة الأرجل بالكسر عطفا على الرءوس في قوله تعالى: ((فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)) ([42]).
مستدلين بقول الامام الطبري في تفسيره، قال: "والصواب عندنا في ذلك أن الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم، وإذا فعل ذلك بهما المتوضيء كان مستحقا إسم ماسح غاسل؛ لأن غسلهما امرار الماء عليهما، أو اصابتهما بالماء، ومسحهما إمرار اليد أو ما قام مقامهما عليهما، فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح، ولذلك نصب بعضهم الأرجل توجيها منه إلى أن الفرض فيهما الغسل، وانكارا من المسح عليهما، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعموم مسحهما بالماء، وخفضها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح.
ولما قلنا في تأويل ذلك إنه معنيّ به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضيء الاجتزاء بادخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده، أو بما قام مقام اليد، توجيها منه إلى أن المراد مسح الرجلين جميعهما إلى الكعبين دون بعضهما مع غسلهما بالماء، فالمراد بالمسح إذا العموم، وفي هذا معنى الغسل والمسح، وعلى هذا فالقراءتان صحيحتان ([43]) .
استنبط بعض الناس من قول الإمام الطبري هذا أنه قال بجواز مسح الرجلين، كما قال صاحب كتاب "الطبري" الدكتور أحمد محمد الحوفي: "ذهب إلى أن المراد مسح الرجلين في الوضوء، معتمدا على ترجيح قراءة الأرجل بالكسر عطفا على الرءوس في قوله تعالى: ((فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين))، ومعتمدا على أن المسح بالماء غسل في الحقيقة، فمن مسح رجليه فقد غسلهما، ومن غسلهما فقد مسحهما" ([44]).
¥