وقبل أن أناقش الأستاذ موراني أود أن أذكّر بما كتبته قبل قليل عن محاسبة المحدثين لإمام الأئمة مالك بن أنس نفسه، حيث لم يغفر له، لأنه كان قد أخطأ في عمر بن عثمان، في بيئة يصل تقديس العلم وحرية البحث، والتنقيب عن الصواب إلى هذه المنزلة الرفيعة، يكون من المستحيل أن يضع إسماعيل بن أبي أويس أحاديث موضوعة، أو حديثا واحدا موضوعا لحل الاختلافات الفقهية، ولا يجد الباحث دليلا ماديا ملموسا واحدا على ذلك.
وكنت أتمنى من الأستاذ موراني، وهو ينتمي إلى المدارس الغربية المولعة بالتحليل، وضرب النصوص الصحيحة الواضحة عرض الحائط – وسأقدم دليلا على هذا في ردي على كتابات نورمان كلدر – كنت آمل أن يحلل النص، ليعرف هل هناك احتمال خطأ في نسبة هذا القول إلى إسماعيل بن أبي أويس؟
متى ولد إسماعيل بن أبي أويس:
المصادر لا تذكر إلاّ تاريخ وفاته، وقد مات والد إسماعيل، وهو أبو أويس عبد الله بن عبد الله المدني سنة سبع وستين ومائة [تقريب التهذيب 309] وقد روى عنه ابنه، إذن في ضوء تاريخ وفاته، يكون التاريخ التقريبي لولادة إسماعيل في حدود 145 – 150هـ، وبهذا يكون عمره عند وفاته ما يقارب ثمانين سنة، إذن فهذا التاريخ التقريبي لولادته مقبول جدا.
وإسماعيل بن أبي أويس لم يكن من النوابغ مثل مالك بحيث يكون عنده حلقة في أيام مراهقته، بل كان عليه أن يتعلم أولا، ثم يكتسب المكانة في المجتمع المدني العلمي ثانيا، حيث يصغى لما يروي ويحدث، إذن ليصل إلى هذه المرتبة الرفيعة لا بد أن يكون في حدود الأربعين من عمره، فإن كان الأمر كذلك فهذا سيكون بعد وفاة مالك بن أنس رضي الله عنه.
كان في ذلك الوقت بالمدينة من كبار أتباع التابعين، فمن كان يصغي لإسماعيل بن أبي أويس إذا جاء بشئ لحل المشاكل فيما بينهم، وكأنهم ما كانوا يستطيعون كشف هذا التلاعب، مما لا شك فيه أنه كانت تربطه صلات عائلية مع الإمام مالك، ولكنه إذا انفرد بشئ فماذا سيكون موقف المحدثين والنقاد منه؟
إذا نظرنا إلى ابن وضاح الراوي عن يحيي بن يحيي الليثي للموطأ وآخرين، نجد أنهم يقارنون بين مختلف الروايات – و يكون ذلك واضحا لمن يلقي النظرة بهامش هذه الطبعة للموطأ – فإذا كانت هناك زيادة أو تصحيف أو تحريف، فلن تفوت الباحثين، وكذلك فيما سجله الجوهري في مسند مالك دليل على مقارنة المحدثين لمختلف الروايات وتسجيل الفروقات بينها.
إضافة إلى أن المبدأ المشهور عند المحدثين والمنقول عن الإمام مالك نفسه أن من يكذب في كلامه ولو كان لا يكذب في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – فلا تقبل روايته، وهذا معروف لطلبة العلم قديما وحديثا.
قال مالك: " ... لا تأخذ من كذاب يكذب في حديث الناس إذا جرب ذلك عليه، وإن كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " [الكفاية 116].
وسئل ابن حنبل: " عن محدث كذب في حديث واحد، ثم تاب ورجع، قال: توبته فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يكتب حديثه أبدا " [الكفاية 117].
وقال رافع ابن أشرس: " كان يقال: إن من عقوبة الكذاب أن لا يقبل صدقه " [الكفاية 117].
وقال سفيان الثوري: " من كذب في الحديث افتضح، قال أبو نعيم: وأنا أقول: من همّ أن يكذب افتضح " [الكفاية 117 – 118].
فإذا افترضنا أن إسماعيل وضع أحاديث لعلها في شبابه كما تأول له ابن حجر، فكيف يأتي إسماعيل بن أبي أويس نفسه فيكشف سره ويفضح نفسه بنفسه، فإذا اعترف أنه كان يضع الحديث فتصبح كل مروياته هدرا، وهذا لا يعمله حتى الرجل الخبيث، بل من يعترف بهذا يكون مجنونا.
في ضوء هذه الملاحظات يصعب على المرء أن يقبل ما ذكره سلمة بن شبيب في شأن إسماعيل، فأجزم أنه قد وقع خطأ مّا، لأن الأمر غير طبيعي.
أما إعراض النسائي – رحمه الله – عنه، فعندما سمع شيئا أراد أن يحتاط لنفسه، فترك الرواية عنه، وقد روى عنه بقية الأئمة مباشرة أو بواسطة، وهؤلاء الجماعة ليسوا أقل تيقظا من النسائي – رحمهم الله جميعا -.
وعلى هذا أرى أن نسبة القول إلى إسماعيل بن أبي أويس بأنه اعترف بوضع الحديث كلام غير مقبول.
يتبع إن شاء الله.
ـ[طلال العولقي]ــــــــ[29 - 01 - 06, 01:02 م]ـ
صدق الله "وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً"
والله ما استفز أحدٌ سنة رسول الله إلا فضحه أمام الخلائق.
ـ[الرايه]ــــــــ[29 - 01 - 06, 01:26 م]ـ
وتكلم الدكتور الاعظمي في هذا الموضوع في مقدمة تحقيقه لموطأ الامام مالك.
وفي هذا الرابط شيء من كلامه
موطأ مالك بطبعة جديدة في ثمان مجلدات بتحقيق الاعظمي
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=32896&highlight=%CB%E3%C7%E4
ـ[أبو عبدالله الأثري]ــــــــ[29 - 01 - 06, 01:28 م]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم
ـ[رمضان عوف]ــــــــ[29 - 01 - 06, 04:46 م]ـ
برجاء ان يتطوع أحد الإخوف الأفاضل بنقل دراسة شيخنا الأعظمي على رايات الموطأ والدراسة كاملة حيث أنه كتب دراسة تستحق أن تنشر كاملة وله من الله الجزاء وأمد الله في عمره ودعواتكم له بالشفاء حتى يكمل مابدأه
¥