قال المؤرخ الفرنسي شارل فكتور لانجلوا في بحث له نشر ضمن كتاب < النقد التاريخي > ترجمة عبد الرحمن بدوي صـ 111: ( ... وكل من يقرأ نصا ولا يهتم بفهمه اهتماما تاما لا بدّ أن يحدث له أن يقرأه من خلال انطباعه هو؛ فيجتذب انتباهه في الوثيقة الجُمَل والكلمات التي تتجاوب مع تصوراته هو أن تتفق مع الفكرة السابقة التي كونها مقدما عن الوقائع، ودون أن يتبين ذلك، تراه يفصل هذه الجمل أو هذه الكلمات ويؤلف منها نصا خياليا يضعه مكان النص الحقيقي الذي كتبه المؤلف).
من خلال هذه الكلمات للمؤرخ السابق الذكر يمكن أن نفهم مشكلة الدكتور موراني ... فقد استحوذت عليه فكرة نسبة وضع الأحاديث النبوية لبعض الفقهاء نتيجة وجود الاختلافات بينهم أو لأسباب أخرى ... وهذه الفرضية كان قد بدأ في بثها جولدزيهر في الجزء الثاني من كتابه < دراسات محمدية > وتلقفها عنه البروفسور شاخت ... فتوسع في محاولة إثباتها في دراساته حول أصول الفقه الإسلامي ... وخاصة في كتابه < أصول الفقه المحمدي >. حيث يستخدم قاعدة " السكوت عن الحديث في موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده " وحكاية قوله في ذلك مما يطول به الكلام، وهذا ما لا يحبذه الدكتور كما عهدناه من أسلوبه ...
أقول: فما صدّق الدكتور موراني أن عثر على هذا النص عن ابن أبي أويس حتى تمسك بظاهره وراح يبدي ويعيد حتى قال مؤخرا: (أما قول ابن أبي أويس ففهمته على وجه اليقين) وطبعا اليقين في فهمه هو خاصة وليس اليقين في الواقع ... ونحن نحمد الله على ذلك فالأمر لازال قابلا للنقاش = وهذا الفهم هو أن ابن أبي أويس وضع أحاديث ونسبها للنبي - صلى الله عليه وسلم – ولا تنتهي المشكلة هنا ... بل إن ذلك انطلى على علماء الإسلام ... فالأحاديث التي رويت من طريقه أو بعضها على الأقل هي من وضعه وافترائه – حاشاه من ذلك - والمسلمون من قرون يتعبدون الله بها جاهلين أنها من تأليف ابن أبي أويس ... ولا أدري من أين يأتي اليقين لفهم باحث من خلال نظره في نص واحد مفرد يكتنفه الغموض من عدة جوانب ... فما بالك وهو يخالف ثوابث مثل الجبال نتجت عن استعمال وثائق ونصوص متعددة، نقية، واضحة في دلالتها على خلاف ما يفيده اليوم ظاهر النص محل بحثنا ... ولكن رغبة الدكتور الملحة في التشغيب؛ أعمته عن إعمال عقله في فهم هذا النص ... وحمله على أحسن محامله ... أو لنقُل محاولة فهمه وفق المنظومة العلمية التي تفيدها نصوص عديدة ووثائق كثيرة ... ولا ندري ربما موجة الجليد التي تتعرض لها أوروبا هي السبب في جمود فكره وعقله عند معنى معين لم يشأ أن يتزحزح عنه.
جاء في سؤالات أبي بكر البرقاني للدارقطني صـ 46 – 48: (قلت لأبي الحسن: لمَ ضعف أبو عبد الرحمن النسائي إسماعيل ابن أبي أويس؟
فقال: ذكر محمد بن موسى الهاشمي، قال أبو الحسن: وهذا أحد الأئمة، وكان أبو عبد الرحمن يخصه بما لا يخص به ولده، فذكر عن أبي عبد الرحمن أنه قال:
" حكى لي سلمة بن شبيب عنه، قال: ثم توقف أبو عبد الرحمن، قال: فما زلت بعد أدرايه أن يحكي لي الحكاية، حتى قال لي: قال لي سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شئ فيما بينهم ".
قلت لأبي الحسن: من حكى لك هذا عن محمد بن موسى؟ فقال الوزير، كتبتها من كتابه، وقرأتها عليه، يعني ابن خنزابة، فذكر من جلالته، وفضله، وقال: حدث عنه أبو عبد الرحمن النسائي في الصحيح، ولعله مات قبله بعشرين سنة ... ).
يتبع إن شاء الله.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[02 - 02 - 06, 03:10 ص]ـ
اللف و الدوران صنعة قوم آخرين ...
=========================
كل من له أدني مسكة من عقل ... ودرى شيئا من المعرفة وأسبابها وطرائق تحصيلها ... وكانت الحصيلة العلمية لديه ناتجة عن بحث منهجي ... واستقراء وتتبع منطقي موضوعي = إذا عرض له أمر يتصادم مع تلك الحصيلة العلمية لا بدّ أن يقف أمامه مليا ... وقد أوجد الناس مناهج عقلية عدة للنظر في الوثائق والنصوص واستنطاقها ... فاشتهر الإنجليز – مثلا – بالمدرسة التحليلية ... واستقرت المدرسة التفكيكية ببعض معاهد فرنسا وأمريكيا بعد أن رفضها غيرهم ... والدكتور موراني يلهج كثيرا بذكر المنهج الشامل لدراسة النصوص ونقدها ... بعيدا عن تأثير الأديان وضغوطها ... ولكن للأسف
¥