قال ابن الصلاح (ص350): (يعني أنه أول من تصدى لذلك وعني به؛ وإلا فالكلام فيه [فيهم] جرحاً وتعديلاً متقدم ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم).
وقال أبو بكر بن مَنْجويه: (وكان من سادات أهل زمانه حفظاً وإتقاناً وورعاً وفَضلاً، وهو أول من فتش بالعراق عن أمْرِ المحدّثين، وجانبَ الضّعفاء والمتروكين، وصارَ عَلَماً يُقْتَدَى به، وتَبِعَهُ عليه بعدَهُ أهلُ العراق).
تنبيه: قال ابن حجر عقبه: (قلت: هذا بعينه كلام ابن حبان في «الثقات» نقله ابن منجويه منه ولم يعزه إليه، لكن عند ابن حبان أن مولده سنة (38) ---).
تكميل وتذييل:
قال الذهبي في (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) (ص159 - 162): (فأول من زكى وجرح عند انقراض عصر الصحابة وابن سيرين ونحوهما، حفظ عنهم توثيق أناس وتضعيف آخرين، وسبب قلة الضعفاء في ذلك الزمان قلة متبوعيهم من الضعفاء، إذ أكثر المتبوعين صحابة عدول، وأكثرهم من غير الصحابة، بل عامتهم ثقات صادقون يعون ما يروون وهم كبار التابعين، فيوجد فيهم الواحد بعد الواحد فيه مقال، كالحارث الأعور وعاصم بن ضمرة ونحوهما، نعم فيهم عدة من رؤوس أهل البدع من الخوارج والشيعة والقدرية، نسأل الله العافية كعبد الرحمن بن ملجم والمختار بن أبي عبيد الكذاب ومعبد الجهني؛ ثم كان في المئة الثانية في أوائلها جماعة من الضعفاء من أوساط التابعين وصغارهم ممن تكلم فيهم من قبل حفظهم أو لبدعة فيهم، كعطية العوفي وفرقد السبخي وجابر الجعفي وأبي هارون العبدي، فلما كان عند انقراض عامة التابعين في حدود الخمسين ومئة تكلم طائفة من الجهابذة في التوثيق والتضعيف، فقال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي، وضعف الاعمش جماعة ووثق آخرين وانتقد الرجال شعبة ومالك----). انتهى.
هذا، وقد عقد ابن أبي حاتم في (تقدمة الجرح والتعديل) (1/ 132 - 156) باباً أسماه (ما ذكر من علم شعبة بناقلة الآثار وكلامه فيهم على حروف الهجاء)؛ فأورد فيه جملة طيبة من كلام هذا الإمام في الرواة؛ وهو دال على ما اشتهر من إمامته في هذا الفن، وسبقِه العلماء إلى التبحر فيه.
&&&&&
(6)
اشتهاره بأنه لا يروي إلا عن ثقة
كان شعبة عالماً بالحديث وكان ينتقي الرجال، وكان متفوقاً بهذه المسألة على الإمام الكبير سفيان الثوري رحمه الله تعالى.
قال الخطيب: قرأت في أصل كتاب محمد بن أحمد بن رزق حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل إجازة قال سمعت أبي يقول كان شعبة امة وحده في هذا الشأن، يعني في الرجال، وبصره بالحديث، وتثبته، وتنقيته للرجال.
وأخرج الخطيب من طريق يعقوب بن سفيان: حدثنا الفضل يعنى بن زياد قال: سئل أحمد بن محمد بن حنبل شعبة أحب إليك حديثاً أو سفيان؟ فقال: شعبة أنبل رجالاً وأنسق حديثاً.
وأخرج الخطيب عن حماد بن مسعدة قال: قيل لابن عون: مالك لا تحدث عن فلان؟ قال: لأن أبا بسطام شعبة تركه.
وقال المزي في ترجمته من (تهذيب الكمال): (قال أبو طالب، عن أحمد بن حنبل: شُعبة أثبتُ في الحَكَم من الأعمش وأعلم بحديث الحَكَم، ولولا شُعبة ذَهب حديث الحَكَم، وشُعبةُ أحسنُ حديثاً من الثّوريّ، لم يكن في زمن شُعبة مثله في الحديث، ولا أحسنَ حديثاً منه قُسِمَ له من هذا حظٌ؛ وروَى عن ثلاثين رجلاً من أهل الكوفةِ لم يرو عنهم سُفيان).
قال المزي: (قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: كان شُعبة أُمةً وحده في هذا الشأن، يعني في الرّجال وبصره بالحديث وتَثَبّته وتنقيته للرجال).
وقال ابن أبي حاتم (1/ 172): (نا صالح بن أحمد بن حنبل نا علي، يعنى بن المديني، قال: سمعت يحيى، يعني ابن سعيد القطان، يقول: أتى شعبةُ المنهالَ بن عمرو فسمع صوتاً فتركه؛ سمعت أبى يقول: يعني قراءة بألحان، فترك الكتابة عنه لأجل ذلك).
&&&&&
(7)
انتقاؤه للأحاديث فضلاً عن الرجال
لم يكن شعبة ينتقي الرجال فقط، بل كان ينتقي أحاديثهم أيضاً، قال ابن حجر في (فتح الباري) (11/ 197) في معرض كلامه على بعض الأحاديث:
(وأشار الإسماعيلي إلى أن في السند علة أخرى فقال: سمعت بعض الحفاظ يقول: إن أبا إسحاق لم يسمع هذا الحديث من أبي بردة؛ وإنما سمعه من سعيد بن أبي بردة عن أبيه.
¥