تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

8 - يجب على المشتغل بتخريج الأحاديث ونقدها ونقد رواتها أن يجتنب – ما وسعه ذلك - التشددَّ والتساهل ويتحرى الوسطية والإنصاف؛ فهذا هو مقتضى حق النصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين، قال الحافظ ابن حجر في (نزهة النظر) (ص113): (ليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل، فإنه إن عدّل بغير تثبت كان كالمثبت حكماً ليس بثابت فيخشى عليه أن يدخل في زمرة من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب؛ وإن جرّح بغير تحرز أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً).

9 - من ثبت من النقاد الثقات أنه متساهل في نقده فليعلم أن تساهله لا دخل له في الأحكام التي يرويها عن غيره، ولا في ما يذكره من تفسير لأحكامه، أو لأحكام الآخرين إذا كانت تلك الأحكام لا تحتمل وجوهاً من المعاني والتفاسير، ولا ما يذكره من أدلة على صحة أحكامه أو أحكام غيره عنده، ولا في أحكامه التي يقولها من عند نفسه في غير مظان تساهله، وإنما ينحصر أثر ذلك في أمرين:

الأول: نفس أحكامه التي يقولها من عند نفسه في مظان تساهله، لأنه وإن كان يقولها بناء على ما علمه أو بلغه من حال الرواة فإنها تحتمل احتمالاً قوياً أن تكون مصطبغة بذلك الوصف، مشربة إياه.

والثاني: ما يذكره من إيضاح وتفسير لأقوال العلماء في الرواة وأحكامهم عليهم، إذا كان ذلك الإيضاح أو التفسير مما يعتريه الاختلاف والاجتهاد ويدخل في أبواب الاحتمالات والظنون.

ومثل ذلك يقال في قضية التشدد.

10 - إن وصفهم الناقد بأنه متساهل أو مشدد فإنما ذلك بالنظر إلى جملة أحكامه وغالب أحواله عندهم، وإن كنت أنا أرى أن الغالب على الموصوفين بالتشدد هو الاعتدال في نقد الرواة، بل الاستقراء يؤيد ذلك أيضاً، والله أعلم.

وقال أبو الحسن المأربي في (إتحاف النبيل) (1/ 44 - 45): (ولا بد أن يعلم أن كلام المتشدد والمتساهل لا يهدر بالمرة إذا انفرد بالكلام على الراوي، والمتأمل في صنيع الحافظين الذهبي وابن حجر يجد اعتمادهما كلام المتشدد أكثر من اعتمادهما كلام المتساهل؛ لكن يرد كلام المتشدد أو المتساهل إذا عارضه معتدل ولم يظهر للمتشدد دليل). انتهى.

قلت: لعل المراد هنا أصحاب التساهل الكثير كالعجلي وابن حبان والحاكم؛ وعلى كل حال فالكلام صحيح حتى على إطلاقه، فإن مخالفة أو إهدار الذهبي وابن حجر لكلام الأئمة الذين وصفاهم بالتشدد، كيحيى بن سعيد القطان وأبي حاتم والنسائي، أقل بكثير جداً منه في حق كلام الموصوفين عندهم بالتساهل كالعجلي والترمذي وابن حبان والحاكم وابن خلفون.

وقال الدكتور قاسم علي سعد في (مباحث في علم الجرح والتعديل) (ص133):

(لا يقتضي الوصف بالاعتدال أن يكون كلام الجارح والمعدل كله منصفا معتدلا، بل يقصد الغالب، وذلك لأن كثيرا من المعتدلين قد يتشددون أو يتساهلون أحيانا، كما أن بعض المتساهلين قد يتعنتون وبعض المتشددين قد يتسمحون).

11 - التساهل في رواية الحديث الضعيف أو نشره بين الناس أو العمل به أمر عظيم خطره سيئة عاقبته؛ وإليك كلام المعلمي رحمه الله، وقد بين فيه كيف بدأ التساهل بالعمل في الأحاديث الضعيفة، وما هو المخرج من ذلك؟

تكلم المعلمي في (الأنوار الكاشفة) (ص87 - 88) على ما ينسب إلى بعض الأئمة من التساهل فقال: (معنى التساهل في عبارات الأئمة هو التساهل بالرواية، كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح، أو قريب من الصحيح، أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده؛ فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة.

ومنهم من إذا وجد الحديث غير شديد الضعف وليس فيه حكم ولا سنة، إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه، كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك، لم يمتنع من روايته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير