كذلك حدثني الشيخ المطلع الثقة أحمد عاشور المكي ثم المدني -حفظه الله- أنه لما أراد أن يقرأ الأربعين العجلونية على مجيزنا الشيخ عبد الله التليدي المغربي (من كبار أصحاب أحمد الغماري) توقف التليدي عند الحديث المنسوب لعبد الرزاق فيه، ورفض قراءتها وغضب، وقال إنه مكذوب.
وأخبرني عن أحد التلاميذ المقربين من مجيزنا الشيخ عبد الفتاح أبوغدة، أنه قال له: سألت الشيخ عبد الفتاح: لماذا حققت الأوائل السنبلية ولم تحقق الأوائل (الأربعين) العجلونية، مع أن تلك شامية من بلدك؟ فقال: أنا لا أخرجها وقد أورد فيها ذاك الحديث الموضوع، يعني حديث جابر.
• ومن العجائب أن يستدل الحميري بكلامٍ لأحمد الغماري (في حديث آخر) في أن أي حديث يُستنكر لا ينبغي أن يُحكم عليه بالوضع لمجرد ركاكة ألفاظه وغرابته، بينما أحمد الغماري ينص في هذا الحديث بالذات أنه موضوع لا يُشك في وضعه، وأنه مشتمل على ألفاظ ركيكة ومعاني منكرة، فهكذا يكون الهوى المعتاد من الحميري وجماعته!
ومن العار أن يروي الحميري مصنفه من طريق الشيخ عبد الفتاح أوغدة، وهو يعتقد بطلانه ووضعه.
ومن باب تبكيت الحميري وأضرابه: فإن هذا المتن لو لم يكن فيه نكارة فالإسناد إليه لا يُسلَّم بصحته، وإن كان رجاله ثقات، فقد قال إمام الشأن البخاري: ما أعجب حديث معمر عن غير الزهري، فإنه لا يكاد يوجد فيه حديث صحيح!
رواه البيهقي في شعب الإيمان (9/ 109 رقم 4477 السلفية)
• وللتنبيه، فقد ذكر بعض الناس لهذا الحديث شاهداً!
وهو ما رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/ 483)، فقال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن سِيْماء المقرئ، قدم علينا حاجاً، حدثنا أبوسعيد الخليل بن أحمد بن الخليل القاضي السِّجزي، أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا حبان بن هلال، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. بلفظ: «لما خلق الله عز وجل آدم خيَّر لأدم بنيه، فجعل يرى فضائل بعضهم على بعض، قرآني نوراً ساطعاً في أسفلهم. فقال: يا رب! من هذا؟ قال: هذا ابنك أحمد، هو الأول، والآخر، وهو أول شافع».
وعزاه السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 67 العلمية) لابن عساكر أيضا.
قلت: إسناده ضعيف.
وفضالة فيه لين على صدقه، ونص ابن المديني أن له مناكير عن عبيد الله، وهو شيخه هنا، وتفرُّد فضالة بالحديث في طبقته ومرتبته وعزة مخرجه يوحي بأن هذا الحديث منها.
وشيخ البيهقي له ذكر في المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور (1249) ولم أجد فيه جرحاً ولا تعديلا.
وبقية رجاله ثقات معروفون.
هذا عن حال الحديث رواية، أما دراية فمعنى الأول والآخر في الحديث يُستدل عليه بما أخرجه البيهقي قبله، وفيه: نحن الآخرون الأولون، نحن آخر الأمم وأول من يحاسب.
فهذا معناه -على فرض ثبوته- لا ما يزعمه غلاة المتصوفة من أولية النور المحمدي! وأين هو من ذاك الحديث المكذوب الطويل ليكون شاهداً له؟!
والله تعالى أعلم.
* * *
هذا؛ وبالإمكان التفصيل أكثر في الكلام على متون مصنف الحميري لو تتبعتها كاملة، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق كما أسلفت، وهذا ما ظهر لي خلال مراجعات أيام قلائل، فسبحان من يسّر فضح الكذبة والوضاعين!
من موارد واضع الجزء:
هذه أربع مصادر رئيسية اعتمد عليها الوضاع في تأليف الجزء، ولو تسنى الدراسة المفصلة والتقصي لجميع الأحاديث لظهرت الموارد الأخرى، ولكن حسبنا كشف أهم ما ظهر منها:
أولاً: دلائل الخيرات للجزولي!
اقتطف الواضع منه ستة مواضيع، ثم جعلها آثاراً ذات أسانيد!
• ففي رقم (10): كان البراء يكثر من قول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آله بحر أنوارك ومعدن أسرارك.
وهذه الصيغة بحروفها مأخوذة من الدلائل، فصل في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، الحزب الثاني، يوم الثلاثاء، (ص20)!
• وفي رقم (11) كان الحسن يُكثر من قولك اللهم صلِّ على نت تفتقت من نوره الأزهار!
وهي كذلك بحروفها (ص23) منه!
• وفي رقم (12): اللهم صل على سيدنا محمد السابق للخلق نوره.
وهي في الدلائل، الحزب الثالث، يوم الأربعاء (ص26)!
¥