تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نعود لدعوى الحميري، فبالبحث والسؤال لم أعرف من كتب السنة المشرفة المشهورة مما طبع فيها خلال المدة المحددة سوى صحيح البخاري، المطبوع بأمر السلطان عبد الحميد بين سنتي 1311 و1313 وكتاب الأم للشافعي المطبوع سنة 1321 وصحيح مسلم المطبوع عام 1329 فهل هذه الكتب لم تُعرف أصولها؟ وهل ما ذُكر يصلح شاهداً لدعواه العريضة (كثير من كتب السنّة المشرفة .. لم تُعرف أصولها)؟ ثم يريد الحميري أن يقرن هذه الكتب الجليلة في هذه الناحية بجزئه المكذوب؟ قليلا من الحياء يا هذا!

*قال الحميري: [أما عن تهكم المعترض وزعمه بأن المتابعات قد فاتت على الحفاظ فهذا تألٍ على العلم، فالحافظ الزبيدي وقف على متابعات لم يقف عليها الحفاظ، وكذلك حال العلماء قبله، ووقف السادة الغمارية كالمحدث أحمد بن الصديق على شواهد ومتابعات لم يقف عليها العلماء قبله، فهل يصدق على هؤلاء ما ألقيته عليّ وعلى المحدث الشيخ محمود سعيد ممدوح؟ هذا بهتان عظيم، والنسخة كما ذكرنا نادرة يصح فيها مثل ذلك.]

قلت: هذا جهل عريض من الحميري، فلا توجد متابعة واحدة فاتت على الحفاظ جميعاً واستدركها مَن بعدهم، لا الزبيدي، ولا الغماري، ولا من هو أعلم منهما وأوسع اطلاعاً كالإمام الألباني، وغاية ما هنالك أن تفوت بعض الطرق أحد من يتكلم على الحديث ممن أخرجه أو خرّجه من الحفاظ، كأن يقول من أخرجه: لم يروه عن فلان إلا فلان، أو يفوت من خرّجه بعض طرقه، فهذا هو الذي يحصل، وهو استدراك على (أحد) الحفاظ، ولكن من أين سيَستدرك عليهم (جميعاً) مَن بعدهم إلا مِن رواية أو تخريج حفاظ آخرين؟

فلا يصدق قول الحميري إلا في حالة واحدة، أن تكون هذه المتابعات قد اختُلقت بعد حياة الحفاظ (كما هو حال مصنفه)، وهنا يسلَّم له أن هذه المتابعات والطرق لم يقف عليها الحفاظ، وأنها فاتتهم قاطبة!

علماً أن الحميري يعتبر السرقات والتركيبات متابعات! كما أجاب عن اتهامي وغيري لسرقة الأحاديث من مصنف ابن أبي شيبة، فقال: [وأما الادعاء بأن في الكتاب أحاديث نقلت من مصنف ابن أبي شيبة فهذا والله لهوٌ ولعب، ويمكن أن يقال ذلك عن أي متابعة تامة نقلت من كتاب كهذا، والصواب أن وجود أحاديث في الكتاب بمتابعات معتبرة دليل على الوثوق بالمخطوط الذي بين أيدينا، ولكن المعترض يقلب المدح ذمًا ويفضح نفسه، وكما قال الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا]!!

قلت: الواقع أنه يقلب العلة القادحة شاهداً بالجهل والهوى، فما أحراه ببيت الشعر الذي أورده!

علماً أنني وجدت مثالا آخر -سوى أحاديث الجزء- على شرط الحميري في المتابعات التي تخفى على الحفاظ، فتابعوا النقطة التالية:

*قال الحميري: [وأما عن قول المعترض بأن حديث جابر كحديث عرق الخيل. فجوابه أخي القارئ: أن حديث عرق الخيل فهو من كنانتهم لا من كنانتنا! ولهم أن يسألوا السجزٍي وأضرابه ينُبؤوهم عنه، واتق الله ولا تقارن حديث جابر بأحاديث الزنادقة والمارقين والمجسمة الحانقين فذلك سخفٌ مشين وظلم عظيم]

قلت: بلغ الحد بالحميري في التصرف بعباراتي إلى أن يكذب، فأنا لم أقرن حديث عرق الخيل مع حديث النور كما زعم مرتين، بل قرنتُه مع الحديث الأول في مصنفه المكذوب، الذي فيه القصة الخيالية عن الطاوس وإنشاء الخلق منه! والذي تهرب الحميري من الجواب عن متنه وعُجمته الصارخة!

وحديث عرق الخيل هو: "قيل يا رسول الله: مم ربنا؟ قال: خلق خيلاً، فأجراها، فعرقت، فخلق نفسه من ذلك العرق"!

فأما دعوى الكنانة وما الكنانة فقد كذب فيها أيضا كالعادة، فقد نص الحفاظ أن المتهم به محمد بن شجاع الثلجي الحنفي (أحد أصحاب قدوة الحميري: بشر المريسي).

وقال ابن عدي عن الثلجي في الكامل (6/ 291): "وكان يضع أحاديث في التشبيه ينسبه إلى أصحاب الحديث ليثلبهم به! روى عن حبان بن هلال -وحبان ثقة- عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت ثم خلق نفسه منها". مع أحاديث كثيرة وضعها من هذا النحو، فلا يجب أن يُشتغل به، لأنه ليس من أهل الرواية، حمله التعصب على أن وضع أحاديث يثلب أهل الأثر بذلك".

وقال الذهبي عن الحديث في ترجمة الثلجي في الميزان: "هذا مع كونه من أبين الكذب هو من وضع الجهمية".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير