تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومعلوم أن الحميري جهمي الاعتقاد، وسبق أن وصفتُه بذلك في ردي الأول، ولم يتعقب بشيء، بل سكت مقرًّا!

وبناء على طلب الحميري أن نرجع للسجزي وغيره، فقد أجبته إلى مقصده مع العلو في الإسناد أكثر، ورجعت لأقدم من علمته ساق الحديث، وهو الإمام الحافظ عثمان بن سعيد الدارمي، فقال في نقضه على سلف الحميريِّ بشر المريسي: "واحتج المعارض أيضا لمذهبه الأول بحديث مستنكر تعجب الجهال منه، ويوهمهم أن ما روى أهل السنة من الروايات الصحاح المشهورة؛ ومما ينقض بها على الجهمية؛ في الرؤية والنزول وسائر صفات الله تعالى؛ مستنكرٌ مجهول مهجور مثل هذا الحديث، فزعم أن حماد بن سلمة روى عن أبي المهزم عن أبي هريرة، قال: قيل يا رسول الله: مم ربنا؟ فقال: "من ماء مرور، لا من أرض، ولا من سماء، خلق خيلا فأجراها فعرقت فخلق نفسه من ذلك العرق"! فيقال لهذا المعارض: لو كان لك فهم وعقل لم تكن تذيع في الناس مثل هذا الحديث الذي لا أصل له عند العلماء، ولم يروه عن حماد إلا كل مقروف في دينه، فيظن بعض من يسمعه منك أن له أصلا فيَضل به أو يُضل، وهذا الحديث لا يعرف له أصل في كتاب ابن سلمة، ولا ندري من أين وقع إلى المعارض، ومما يستنكر هذا الحديث أنه محال المعنى، بل هو كفر لا ينقاد ولا ينقاس، فكيف خلق الخيل التي عرقت قبل أن تكون نفسه في دعواك؟ ويحك أيها المعارض! إنا نكفّر من يقول إن كلام الله مخلوق، فكيف من قال نفسه لا جزاك الله خيرا عما تورد على قلوب الجهال مما لا حاجة لهم إليه! فعمن رويته عن حماد؟ وممن سمعته؟ فسمّه لنا نعرفه! فإنا لا نعرف إلا أن الله الأول قبل كل شيء، فكيف كان هذا العرق قبله حتى خلق منه نفسه؟ وهذا الحديث لا يُحتاج إلى تفسيره، فإن الشاهد منه يدل على أنه باطل، ثم لم ترض بما قلت ورويت مما تشنعه حتى ادعيت له تفسيرا عن إمامك الثلجي؛ أنه قال" يحتمل تأويل هذا الحديث أن يكون الكفار سألوا النبي .. " الخ.

فخلصنا إلى أن الحديث لا أصل له عند العلماء، ولا يعرفه جميع الحفاظ! وليس في أصل حماد بن سلمة الذي رُكِّب عليه الحديث! ثم خفيت عليهم الطريق وعرفها ابن الثلجي وبشر المريسي! وهما من أشاعه ونشره بين الناس! ولا مانع ما دام ابن مانع الحميري دكتور الحديث (!) يرى أن الطرق يمكن أن تخفى على جميع الحفاظ وبابها مفتوح إلى يوم القيامة! فيما يمنع الباحثين أن يتكلموا في تركيب الأسانيد!

على كل حال ظهر فيما سبق منشأ الحديث جليًّا، وأنه من كنانة الجهمية سَلَف الحميري والكوثري مشيعه من قبله، وأن خلَفَهم حرصوا كل الحرص على تطبيق ما وُضع الحديث لأجله من التشنيع على أهل السنّة والحديث! والحمد لله على نعمة السنّة.

وعاد الحميري لهذا النهج من التشنيع بعد أن عرَّض بأخينا الشيخ الفاضل المفيد محمد بن ناصر العجمي في تعليقه على الأوائل لابن أبي عاصم، ثم قال في تهجم لا مناسبة له إلا أن الشيخ العجمي لم يخرِّج حديثاً على هواه: [فلم ذلك العداء البين من فرقتكم على حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم]؟

والجواب قد ظهر بما سبق من شنشنة سَلَف الحميري، وليت شعري! هل الذي يخدم كتب السنّة ويدعو للتمسك بالسنّة النبوية وينفي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكذب والمُحدَثات يعاديه، أم أنه الذي ينشر الكذب والبدعة ويروّجهما ويطعن في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه؟ رمتني بدائها وانسلت!

*قال الحميري: [وأما عن القول بوضع حديث جابر وزعمه بأنه موضوع وأن ألفاظه مركبة كما أبدى ذلك أيضا بعض الحانقين، ومن لف لفهم، والاعتراض علينا بحكم بعض علماء الأشراف الغماريين على الحديث. فجوابه أخي القارئ: أن كلامهم على حديث جابر شأن يخصهم ويخص أضرابهم، ولنا شأننا الخاص بنا ومعنا من السادة الأشراف الغمارية والكتانية وجمهور الأمة ممن يؤيدنا في ما ذهبنا إليه كالشيخ الأكبر محي الدين بن عربي .. ] الخ!

قلت: ما دام للحميري شأن خاص خلاف ما اصطلح عليه أهل الحديث فلماذا يصرُّ على مزاحمتهم بجهل في علمهم وتخصصهم، ويناقش ويصحح ويضعف بالهوى، ويلوك قواعد العلماء بلا أدنى فهم، أما كان أراح واستراح لو ذكر هذا من البداية؟

وهل يقول ذلك الكلام من له أدنى تعلق بعلم الحديث؟ ناهيك عن كونه دكتوراً (!) فيه؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير