تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هكذا اعترف الحميري في نهاية المطاف وسلّم بمخالفة الحديث لما عليه قواعد الحديث، وطفق يتشبث بغير المحققين فيه، بل بأعدائه كابن عربي، وكلهم لم يصحح الحديث! وإنما جرى ذكره في كتبهم دون تنبيه!

وعهدي بأمثال الحميري أنهم يشددون نظرياً في أمر الاعتقاد وأنه لا يُقبل فيه إلا الحديث المتواتر، ونراه اعتقد ليس بالآحاد فقط، ولا الضعيف، بل بالموضوع الذي لا أصل له! وربما يعتقد بالمنامات! فانظر إلى هذا التناقض في أصل الأصول، ولا عجب إذا كان للحميري شأن خاص به خلاف ما أصّله العلماء!

ولكن ليتأمل القراء في هذيانه إذ دفع بأحكام الغماريين بوضع الحديث، وقال إنهم في نفس الوقت معه على خط الشأن الخاص! ثم يزعم كاذباً أن جمهور الأمة على ضلاله الفلسفي الطرقي! فمثله يستحق أن يعزَّى بعقله! والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاه به! فلا يلمني الحميري ثانية بقوله: [زعم المعترض بأني جاهل في علم الرواية وأخبط خبط عشواء]! علماً بأنه القائل أيضاً في حديث النور: [وأرجو أن تستمع لكلام أهل العلم]!! ولم يقصد بهم العلماء الذين تكلموا بالقواعد وأجمعوا على بطلان الحديث (كما قال الغماري!)، وإنما من وافقه على هواه فقط!

وما أحسن قول الإمام مسلم رحمه الله في كتابه التمييز (15/أ-ب، مختصره)، قال: "واعلم - رحمك الله - أن صناعةَ الحديث، ومعرفة أسبابه مِن الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة، لأنهم الحُفاظ لروايات الناس، العارفين بها دون غيرها، إذا الأصل الذي يعتمدون لأديانهم: السُنَن والآثار المنقولة، مِن عصرٍ إلى عصر: مِن لَدُن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا، فلا سبيل لمن نابذهم مِن الناس وخالفهم في المذهب إلى معرفة الحديث ومعرفة الرِّجال مِن علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار، مِن نُقّال الأخبار وحُمّال الآثار".

*قال الحميري: [فلو أراد قادرية الهند أو غيرهم التزوير لأتوا بورق قديم من كتاب قديم ولغسلوه وكتبوا عليه].

قلت: وهذا جهل بالغ من الحميري! وقد نبّهت غير مرة أن هذا الحميري يسمع المعلومة فيلوكها دون أن يعيها جيداً، فقد سمع في عالم المخطوطات بالغسل فظن أي شيء يقبله! وإلا فمتى كان الورق يُغسل ليُكتب عليه؟

وأعلم أنه لن يستوعب هذه النقطة إلا بالشرح، فأقول: إن كتابة المخطوطات الإسلامية كان أغلبها إما على الرَّق (الجلد)، أو على الكاغَد (الورق)، فالأول يمتاز بطول بقائه، إلا أن عيبه المحو بالغَسل، أما الورق فهو أقل تعميراً لكن تزويره ينكشف، وأسوق نصاً موضحاً في صبح الأعشى (2/ 475 - 476) حيث قال: "وأجمع رأيُ الصحابة رضي الله عنهم على كتابة القرآن في الرَّق لطول بقائه، أو لأنه الموجود عندهم حينئذ، وبقي الناس على ذلك إلى أن ولي الرشيد الخلافةَ وقد كثر الورق وفشا عمله بين الناس: أمر أن لا يكتب الناس إلا في الكاغَد، لأن الجلود ونحوها تقبل المحو والإعادة فتقبل التزوير، بخلاف الورق، فإنه متى ما مُحي منه فسد، وإن كُشط ظهر كَشطه، وانتشرت الكتابة في الورق إلى سائر الأقطار، وتعاطاها من قَرُب ومن بَعُد، واستمر الناس على ذلك إلى الآن".

وما دام الحميري مولعاً بادعاء الرجوع للمختصين المجاهيل فنحيله على أحد المختصين الحقيقيين، فقال خبير المخطوطات أيمن فؤاد سيد في (الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات 1/ 19): "وإذا كان من خواص الرَّق قدرته على البقاء الطويل فإن من أهم عيوبه إمكانية محو ما فيه وإعادة استخدامه مرة أخرى".

ثم نقل بعض النصوص عن ياقوت الحموي في معجم الأدباء، ثم قال في الصفحة التالية: "وتدل هذه النصوص أن الرَّق ظل مستخدماً في الشرق الإسلامي وإلى القرن السادس الهجري، فعملية الغَسل هذه لا يمكن أن تتم إلا إذا كانت الكتابة على الرَّق".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير