تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا تبين هذا عُلم ما عليه الحميري من جهل، وعُلمت أشياء أخرى، فأرجو من القارئ أن ينتبه للنص جيداً، فعلمنا منه أنه يُمكن لمن سماهم أن يزوروا المخطوط بغسله (!) وإعادة الكتابة عليه، ونحن نقول إن غسله لا يُمكن، فتبقى المشكلة في الحصول على الورق، وهذا الورق زعم الحميري أنه فُقد من نحو ثلاثمائة سنة في تلك المناطق (أفغانستان في رواية، وفي بلاد ما وراء النهر في رواية أخرى!) بينما كذّب ذلك جالب النسخة بأن عمره مائة وخمسين سنة، معناه أنه لم يختفي من ثلاثمائة سنة! وأنه إنما اختفى منذ سنين عديدة في تلك المناطق وما جاورها، فالسؤال هو: قد اختفى هذا الورق من سنوات في أفغانستان، فهل له بقية في غيرها كالهند مثلا؟ الجواب عند جالب النسخة إذ يقول فيما كتب بخطه: [في حوزتي ورق مثله يرجع تاريخه إلى 400 سنة]!! ولا يهمني كم يدعيه من عمر الورق، فالمهم أن الورق عنده! وأدع الباقي لفطنة القارئ الكريم! ليربطه مع قول الحميري: [وإني لدؤوب قبل هذا البيان في البحث المجد عن قِطع أخرى لذلك الجزء المفقود، وإنني على وشك العثور عليه بإذن الله تعالى]!

كما أسأل الله أن ينجينا من شرور قول الحميري: [وكوننا لم نعثر على الروايتين في المراجع المذكورة لا يعني أنهما غير موجودتين، لأن (الدلائل) الموجودة للبيهقي بها نقص، وكذلك (المستدرك)]!

التدليس والتلبيس

وبعد ما سبق الإشارة لبعضه من اعتماد الحميري في إغلاقه على الهروب كثيراً، والكذب تارات، والجهل المستغلق كرّات: رأى أنه لا تزال أمامه أمور عالقة لم يتعامل معها أمام جمهوره، فلجأ لمغارات التدليس، ومدّخل التلبيس، عساها تقع موقعاً عند الشريحة المستهدفة من الأغرار والأغمار.

وهأنذا أسوق طائفة منها تنبيها لمن قد يغتر بها وبصاحبها الحميري، علما أن كثيراً منها يتداخل مع الجهل المذكور في الفصل السابق.

فقال الحميري: [توجهت إلى المدينة المنورة والتقيت ببعض خبراء المخطوطات الذين كانوا يعملون بمكتبة عارف حكمت الحسيني فأخبروني بوجود خطوط مشابهة لخط المخطوط الذي بين يدي كتبت في القرن العاشر الهجري، وأوقفوني على عدد من تلك المخطوطات فاستبشرت خيرًا].

قلت: كالعادة أبهم دكتور الحديث (!) الحميري رجاله، فبذلك لا يمكن معرفة هل هؤلاء خبراء مخطوطات أم جرائد، هذا إن صدق وكان لهم وجود أصلا، ولا سيما أنه نسبهم لمكتبة عارف حكمت، ونقل أنهم أطلعوه على نماذج مشابهة، والظاهر أن هذا الاطلاع حصل في المكتبة لا في بيوتهم! مع أن المكتبة غير موجودة قبل حصول الحميري على مخطوطه بسنين عديدة، فقد هُدمت وضُمَّت إلى مكتبة الملك عبد العزيز في المدينة، وقد سألتُ بعض المتخصصين بالمخطوطات ممن أدرك المكتبة فنفى وجود خبراء فيها أصلا، منهم الشيخان المحققان جمال عزّون وعمار تمالت الجزائريان، والثاني قد عمل متعاونا فيها مدة، وأكد الشيخ عمار أنه لم يوجد فيها خبير أصلا، وهذا من أسباب كون فهرسها -على تأخر عمله- مليء بغرائب الأخطاء التي لا تصدر عن صاحب الخبرة المتوسطة فضلا عن الخبير!

أما مسألة تشابه الخطوط فقد مضى الكلام عليها مفصلا في ردي الأول، وربما أتطرق لها قريبا.

ثم قال: [ثم سألت الثقات من أهل العلم والفضل والخبرة من البلاد التي وردتنا منها المخطوطة عن نوعية ورق المخطوط؟]

أقول: هنا أبهم الحميري البلاد التي جلب منها، وصرَّح بها في أماكن أخرى أنها أفغانستان، وفي مواضع أخرى أنها من بلاد ما وراء النهر! وهكذا ينكشف الكاذب من تناقض أقواله، وسبق بعض ذلك ويأتي، ولكن لنتجاوز ذلك الآن ونبيّن ما في كلامه من تلبيس على الناس، فيقال للحميري: ما دام المخطوط الأصلي عندك فما الداعي لأن تسأل أُناساً من أعاجم تلك البلاد ربما هم من العوام والطرقيين الجهلة (كما ظهر في أمور أخرى) فيما لا تسأل المراكز المختصة بالمخطوطات؟ ولا سيما وقد أحالك الشيخ أديب الكمداني على مركز جمعة الماجد عندك في دبيّ -وهو مركز عنده إمكانات عالية لتحليل الورق والحبر وفحصهما وغيرهما كما بلغنا-؟ كما أنه صرّح لك هو والشيخ محمد مطيع الحافظ -وربما غيرهما- أن المخطوط حديث؟

وأنا لا أستبعد أن يكون الحميري قد فحصه في مركز جمعة الماجد فعلا، ولكن كتم النتيجة المحققة من تزويره، واستشهد بما يناسب هواه ممن وافقه!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير