قلت: هذا تلبيس وقياس مع الفارق، فلو جرّب الحميري حظه وقدّم جزءه المكذوب كرسالة في جامعة محترمة وعند مشرف عالم نزيه لرأى كيف كان التعامل معه، ولو كان هو الواضع فرضاً وتواطأ معه مشرفه وجامعته فلا أستغرب أن يحصل ما استبعده وتعجب منه، نعم، لم أسمع بحصول ذلك سابقا، وذلك لأن قضية جزئه المكذوب سابقة في عصرنا، ومن يدري؟ لعلها كرامة اختص بها الحميري ليكون السابق في هذا المجال، والطيور على أشكالها تقع!
وأُجمل ههنا الرد على تلبيساته التي حاول فيها دفع المطاعن عن نسخته، بعد استبعاد ما سبق التنبيه عليه من هروبه وكذبه وجهله:
فمن ضروب تلبيسه المقارنات الفاشلة مع بعض كتب الأئمة التي تفارق جزءه المفترى من وجوه عدة، فاستشهد المسكين بما سمعه من طعون سلفه الكوثري بنسبة بعض ما غص منه من كتب السنة الثابتة عند التحقيق، مثل السنة لعبد الله بن أحمد، وغيرها من الكتب التي عُلم ثبوت تصنيفها من مؤلفيها، واعتمدها الحفاظ، ورووها، وانتشرت عندهم نسخها، واحتجوا بما فيها، ولم تنفرد بالغرائب، بل المرويات هي مرويات مصنفيها، والأسانيد أسانيدهم، وهي أسانيد معروفة لمتون وآثار معروفة توبعوا عليها، وإنما تعلق الكوثري ومن تبعه بمغامز في رجال الإسناد، متجاهلين أن ذلك إنما قد يؤثر في متانة تسلسل رواية الكتاب بالسماع -وربما الإجازة- للمتأخرين، ولا يؤثر من حيث صحة تصنيف هذه الكتب ووجودها، فاتصال المصنفات بالسماع للعصور المتأخرة ليس كاتصال الحديث للمصنفين في عصور التدوين، وهي القرون الثلاثة الأولى.
فلو ساق الحميري إسناده للبخاري من طريق المعمرين -التي يحرص عليها صاحبه ممدوح في أثباته ويفرح بها- لقلنا إن الإسناد للبخاري موضوع، ولكن هل يعني ذلك أن الكتاب صار غير ثابت إلى مؤلفه؟
ولماذا نفترض أمراً وهذا الحميري ساق سنده للمصنف أول تحقيقه، وفيه انقطاع وتخبيط وتحريف، ولا سند لهذا الجزء سوى ما ساقه الحميري، وإلا فأتحداه أن يأتي بنص يعرف فيه راوي (كتاب الإيمان المزعوم)! عن عبد الرزاق، لأن المصنف لم يُرو جملة واحدة، فقد تفرد رواةٌ ببعض أقسامه، فأبطل الحميري جزءه بنفسه من حيث أراد الطعن بكتب الأئمة!
والحميري لم يفهم هذا عندما رددت عليه، وصرَّحت أنه لن يفهمه فقلت: [أما مسألة تفصيل السماع من الإجازة، ومسألة تحديد روايات قطع محددة من المصنف لم تقع من رواية الدبري عن عبدالرزاق فهذه أمور لا يكلّف بها من هو في مستوى الحميري بالرواية، والله أعلم.]
وصدق ظني، فقال الحميري في إغلاقه بعد ستة أشهر: [هذا الاعتراض ضرب من التخريف، فنحن ذكرنا إسنادنا لمصنف عبد الرزاق كله، وليس لهذه القطعة فقط]!!
فلا يزال الحميري يظن أن المصنف يُروى كاملا من طريق الدَّبري عن عبد الرزاق، وأنا أكرر له أن لا يصح أن يُروى جميع المصنف عنه، فهناك أبواب منه سقطت على الدَّبري، وأخرى تروى عن غير طريقه، كما تجده عند أئمة الشأن، كابن خير الإشبيلي في فهرسته التي نص الحميري على مطالعتها (127 - 130)، ولن أفصّل في هذا أكثر، لأنني أكرر أن المسألة فوق مستواه ولا يكلّف بمثلها! ولعل أحداً غيري يتنزل ويدلّه!
عوداً على مسألة كتب السنة الحقيقية التي طعن فيها الحميري تقليداً وجهلاً، فأقول: أين هذه الكتب مع محتويات جزء الحميري التي ما رآها الحفاظ مروية قط، ولا متابعات لها، وهي محض تخليط في عجمة وتخبيط، وليست أسانيد عبد الرزاق ولا غيره! وهي عارية عن أدنى مقومات التوثيق، ومليئة بالمطاعن التي يكفي أحدها لإبطال الجزء والحكم عليه بالتزوير، فأين هذا من ذاك؟ إن هو إلا التلبيس على الجهلة الأغمار!
وكذا قول الحميري [وكم من كتاب طبع على أصل واحد فقط بل وليس عليه سماعات]، وردُّه لبعض مفردات الطعون بالتجويز والاحتمالات! فنقول: مع فارق القياس فنحن لم نطعن في جزئك بهذه الجزئية فقط يا ذكي، لكن بينّا أن مخطوطك خالٍ من أدنى مقومات التوثيق، تلك التي ذكرتَ بعضها سابقا (مثل خط المصنف! سماعات عليه! دائرة منقوطة!) وهو مع ذلك مليء بالمطاعن التي لا يدفعها أهل العقل والاختصاص! وأزيدك هنا: لو أن صاحبك المزوِّر أتقن مهمته أكثر وزوّر للمخطوط سنداً وسماعات وملأ المخطوط دوائر منقوطة، وختم بنص المقابلة، وبالغ في إتقان التزوير: لما تغير حكم التزوير عند أهل الاختصاص لوجود القوادح
¥