الأخرى، فأرح نفسك من عناء التلبيس!
ونحو ذلك ما ذكره في قضية المصنفات، فليس عنده فيها إلا التجويز دون أدنى بينة، ومن المضحك كلامه عن مسألة ثبوت التبويب لكتاب الإيمان أول المصنف، فقد احتج لثبوته في جزئه بأنه واقع جزئه! ففسر الماء بعد الجهد بالماء! أما أنا فذكرت قرائن من فهرسة ابن خير وكشف الظنون تتقوى بالقرائن الأخرى على إبطال التبويب أول المصنف! وهب أنه لم توجد تلك القرائن، فلا تؤثر على الحكم بالبطلان!
ونحو ذلك تعلقه السخيف بقضية التأريخ الهجري، فأنا ما جعلت هذا مطعناً لذاته، بل جعلته ضمن جملة قرائن مجتمعة أهملها واستلّ ذا من بينها وردَّ عليه بالنادر، مع تصريحي في ردي قائلا: [وقد يقول قائل: ما ذكرتموه صحيح، ولكن ألا يمكن أن تُكتب بعض المخطوطات على خلاف الأصول التي ذكرتموها؟ نقول: ممكن أن يقع الاستثناء في أمر أو أمرين، أما هنا فقد تضافرت أمور كثيرة من شأنها أن تضعف الثقة بهذا المخطوط المزعوم].
فهو وجد استثناء في بعض المخطوطات بعد التعب والجهد، وأنا لم يخف عليّ أن ذلك قد يوجد، ولكن على ندرة شديدة، ولذلك قلت إنه غير معتاد، وللتدليل على كلامي فليراجع من عنده تتبع المخطوطات مائة مخطوط عشوائيا في كتب السنّة القديمة أو غيرها، ولينظر كم نسبة ما يجد فيه من تأريخ بالهجرة؟ وأنا واثق أنه سيجد بعدها دقة كلامي واحترازي في العبارة.
وقال الحميري: [وهذا ما رأيناه في مخطوطات مشابهة، وأتينا بصور لها بعد أن أثبتناها في مقدمة التحقيق وهذا المعترض قد هدم ما أتى به علينا فقال ما نصه: (وعليه فإن خطوط القرن العاشر في النسخ والثلث لا تختلف عن خطوطنا نحن اليوم، فلماذا يتحكم الحميري في أن خط المخطوط هو خط القرن العاشر فقط؟).
فقوله: (لا تختلف عن خطوطنا نحن اليوم) تصريح منه باحتمال كون المخطوط من كتابات القرن العاشر، وهذا متوقع ومحتمل].
قلت: من المتعب أن يلاحق الإنسان من يحب الجدال الجاهل العقيم، ولولا أن هدفي تنبيه العوام الذين قد ينطلي عليهم تلبيس الحميري لاكتفيت بما سبق من إثبات كذبه وهروبه وجهله، فقضية الخط نقضتُها في ردي الأول بشهادة أكثر من رجل من أهل البلد والاختصاص أن الخط هندي معاصر، وأزيد هنا ما نبّه عليه الشيخ عبد القدوس نذير الهندي، فقال: [ما بدأ به ناسخ المخطوطة المزعومة من كلمة دعاء "رب يسر ولا تعسر وتمم بالخير"، فترصيع الكتاب بهذا الدعاء وخاصة كلمة "وتمم بخير" معهود في الهند، لا يكاد يوجد لدى الآخرين، خاصة عند المتقدمين، وكنا نلقَّن هذا الدعاء في الكتاتيب عند افتتاح أي كتاب جديد].
أما قضية أن خط القرن العاشر في النسخ والثلث لا يختلف عما نحن عليه اليوم فقد شرحتُه في ردي الأول، وبيّنت أنه بذلك لا يصح جزم الحميري أن الخط للقرن العاشر تحديداً كما فعل في تحقيقه وكما اضطرب هنا، وأن فعله تحكم محض لا دليل عليه، فجاء الحميري وحوّر معنى عبارتي ليجعلني أُقر احتمال الصواب في تحديده، وهذا لم يحصل، فإنني ذكرتُ في نفس الموضع قرائن أخرى من طريقة رسم بعض الكلمات، واستشهدت بقول أهل البلد وأهل الاختصاص في أن الكتابة معاصرة، فبتر الحميري السياق والمعنى ليدلس كلامي ويُظهره للقراء على خلاف مرادي الواضح، ولذلك ترى الحميري يُكثر من نقل كلامي بعد أن يصوغه هو، وما ذاك إلا ليتسنى له تحوير المعنى والتلبيس، أما أنا فأسوق كلامه كاملاً بين معكوفتين وأميّزه بخط تحته زيادة على ذلك، ثم أناقشه، وهذا الفارق واضح للقارئ المنصف إن شاء الله.
وبعد أن وصل الحميري بشق الأنفس وعبر التدليس والبتر إلى أن المخطوط (يُحتمل!) كونه من كتابات القرن العاشر: جاء ليُسقط استدلاله بنفسه في مكان آخر، فقال رادًّا على نفسه: [ثم إن ما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فحجته مردودة عليه، وقد رجع الأمر عليه]!
ومن تلبيساته ما أورده من ردَّ اعتراضي على جزئه المختلق بأنه لو كان كل كتاب فيه كذب يُرَدّ: لحكمنا على معاجم الطبراني ومصنفات أبي نعيم والديلمي بالتزوير والاختلاق!
¥