تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمثاله عند البخاري، قوله: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا حيوة وغيره، قالا: حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود، قال: قطع على أهل المدينة بعث، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس، فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس، أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (وذكر الحديث).

ومثاله عند مسلم، قوله: حدثني أبو الطاهر، أخبرنا عبد الله بن وهب، عن الليث وغيره، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة، أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، حتى يذر ".

قلت: فهذا (الغير) في الموضعين هو عبد الله بن لهيعة، وليس على شرطهما، فكنيا عنه.

بين ذلك في حديث البخاري أن ابن أبي حاتم الرازي أخرجه في " تفسيره " وغير من رواية ابن لهيعة.

والحديث معروف من روايته ورواية حيوة بن شريح والليث بن سعد، فأما رواية حيوة فهي التي احتج بها البخاري، وأما رواية الليث فعلقها بعدها، فدل على أن ذلك (الغير) ليس سوى ابن لهيعة.

وأما حديث مسلم، فإن أبا نعيم في " المستخرج " أخرجه من طريق الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو الطاهر، حدثنا ابن وهب، عن الليث وابن لهيعة، عن يزيد، به.

فدل صنيع الشيخين أن الحديث إذا رواه الراوي عن رجلين عن شيخ لهما، فأسقط أحدهما لكونه مجروحاً، أو أبهمه، فلا أثر لذلك، بناء على اعتبار أصل ما تفيده المتابعة من الاتفاق في اللفظ، أو في المعنى، وكون من جمع بينهما من الثقات، فالأصل أنه يعلم اتفاقهما، ولو اختلفا لوجب عليه البيان.

وكذلك فإنه لو سماهما جميعاً: الثقة والمجروح، فإن الحديث ثابت صحيح، اعتماداً على الثقة منهما، وأن رواية المجروح جاءت على وفاقه.

وبهذا يتضح رجحان طريقة الشيخين، وضعف المظنة التي ذكرها الخطيب وسبقه إلى معناها الإمام أحمد بن حنبل، وأن الأمر على أي حال كان فليس هو من باب التدليس) انتهى كلامه.

ويمكن أن يناقش في هذا التقسيم فقد يجمع بين القولين فتصبح قولا واحدا وهو أن الراوي إذا جمع بين شيخين فإن كان لفظهما متفق فيصح إسقاط أحدهما أو تكنيته وإن كان لفظهما مختلف فلا يصح فلا منافاة فيما فعله الشيخان لقول أحمد

وأما قوله (وبهذا يتضح رجحان طريقة الشيخين، وضعف المظنة التي ذكرها الخطيب وسبقه إلى معناها الإمام أحمد بن حنبل) فليس بصحيح فالمظنة موجودة وهي أن بعض الرواة يجمع بين ألفاظ المشايخ ويسوقها مساقا واحدا

فالمقصود أنه لا يوجد خلاف بين أحمد وبين البخاري ومسلم وغيرهم ممن فعل ذلك مثل النسائي

ويوضح ذلك ما قاله الخطيب في الكفاية بعد ذكر الكلام السابق

(وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما يسقط المجروح من الإسناد ويذكر الثقة ثم يقول وآخر كناية يكنى به عن المجروح

وهذا القول لا فائدة فيه لأنه إن كان ذكر الآخر لاجل ما اعتللنا به فإن خبر المجهول لا يتعلق به الأحكام وإثبات ذكره وإسقاطه سواء إذ ليس بمعروف وإن كان عول على معرفته هو به فلم ذكره بالكناية عنه وليس بمحل الأمانة عنده

ولا أحسب إلا استجاز إسقاط ذكره والإقتصار على الثقة لأن الظاهر اتفاق الروايتين على أن لفظ الحديث غير مختلف واحتاط مع ذلك بذكر الكناية عنه مع الثقة تورعا وان كان لا حاجة به اليه والله أعلم) انتهى.

وأيضا قد يعترض عليه بمثال في صحيح البخاري أبهم البخاري فيه ابن لهيعة وقرنه مع عبدالرحمن بن شريح وكان اللفظ لابن لهيعة كما في رواية مسلم وغيره

قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه

(7307) حدثنا سعيد بن تليد حدثني ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن شريح وغيره عن أبي الأسود عن عروة قال حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون فحدثت به عائشة زوج النبي ثم إن عبد الله بن عمرو حج بعد فقالت يا بن أختي انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه فجئته فسألته فحدثني به كنحو ما حدثني فأتيت عائشة فأخبرتها فعجبت فقالت والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح

(قوله (وغيره) هو ابن لهيعة ابهمه البخاري لضعفه وجعل الاعتماد على رواية عبد الرحمن

لكن ذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر في الجزء الذي جمعه في الكلام على حديث معاذ بن جبل في القياس ان عبد الله بن وهب حدث بهذا الحديث عن أبي شريح وابن لهيعة جميعا لكنه قدم لفظ بن لهيعة وهو مثل اللفظ الذي هنا ثم عطف عليه رواية أبي شريح فقال بذلك

قلت وكذلك أخرجه بن عبد البر في باب العلم من رواية سحنون عن ابن وهب عن أبي لهيعة فساقه ثم قال ابن وهب وأخبرني عبد الرحمن بن شريح عن أبي الأسود عن عروة عن عبد الله بن عمرو بذلك

قال ابن طاهر ما كنا ندري هل أراد بقوله بذلك اللفظ والمعنى أو المعنى فقط حتى وجدنا مسلما أخرجه عن حرملة بن يحيى عن بن وهب عن عبد الرحمن بن شريح وحده فساقه بلفظ مغاير للفظ الذي أخرجه البخاري قال فعرف ان اللفظ الذي حذفه البخاري هو لفظ عبد الرحمن بن شريح الذي أبرزه هنا والذي أورده هو لفظ الغير الذي ابهمه انتهى

وسأذكر تفاوتهما وليس بينهما في المعنى كبير أمر

وكنت اظن ان مسلما حذف ذكر ابن لهيعة عمدا لضعفه واقتصر على عبد الرحمن بن شريح حتى وجدت الإسماعيلي أخرجه من طريق حرملة بغير ذكر ابن لهيعة فعرفت ان ابن وهب هو الذي كان يجمعهما تارة ويفرد بن شريح تارة) انتهى.

فلو قلنا بالترجيح بين الأقوال لكان قول الإمام احمد هو الأحوط والأبرأ للذمة، والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير