ومثله – أيضا – ما ذكره في تفسير قوله سبحانه: ” أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ“ (البقرة: 77)، إذ نراه يقف مع تقديم الإسرار على الإعلان فيعلله، بقوله: "وإنما قدم الإسرار على الإعلان للإيذان بافتضاحهم، ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر، والمبالغة في بيان علمه المحيط لجميع المعلومات، كأن علمه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه؛ مع كونهما في الحقيقة على السوية، فإن علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها، بل وجود كل شيءشئ في نفسه علم لله تعالى .. " (( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674048#_ftn6)3)، ثم بعد هذا الجواب الدقيق نرى أبا السعود يردف بجواب آخر، ينبئ عن شدة دقة ملاحظته، وعمق نظراته، فيقول: "ويجوز أن يكون ذلك باعتبار أن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن " (( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674048#_ftn7)4)، إذ ما من شيءشئ إلا ويمر بحالين: الأول: الإضمار في النفس وانعقاد القلب عليه، وهذا يتعلق به الإسرار غالباً، والثاني: البروز إلى العلن، والأولى متقدمة زماناً على الثانية، فقدمت في النص.
والحقيقة أن الإحاطة بكل ما يتعلق بباب التقديم والتأخير – وإن كان في تفسير سورة البقرة فحسب إلا أن الأمثلة التطبيقية غزيرة، وفي المذكور كفاية تمثل ما أولاه هذا المفسر العظيم في كتابه من عناية بهذا الباب، تدلك على مقدار عمق فهمه، وغزارة فكره وعلمه.
(1) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674048#_ftnref1) د. فضل عباس، البلاغة فنونها وأفنانها.1/ 207، دار الفرقان ط4، 1997.
(2) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674048#_ftnref2) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز 83، دار المعرفة، بيروت،ط2 1998.
(( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674048#_ftnref3)3) تفسير أبي السعود 1/ 37، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 1999.
(( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674048#_ftnref4)1) المرجع السابق 1/ 101.
(( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674048#_ftnref5)2) انظر: تفسير أبي السعود 1/ 106.
(( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674048#_ftnref6)3) المرجع السابق 1/ 153.
(( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674048#_ftnref7)4) المرجع السابق 1/ 153.
ـ[رأفت المصري]ــــــــ[20 - 09 - 07, 08:23 م]ـ
المبحث الثاني: الفصل والوصل
احتل هذا الموضوع مكانة رفيعة بين المباحث البلاغية، وكان له شأن عند الضالعين من أهل اللغة، ولكونه دقيق المسلك، لطيف المأخذ؛ جعله بعضهم حداً للبلاغة وقصرها عليه، حينما سئل: ما البلاغة؟ فقال معرفة الفصل والوصل. (1) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674052#_ftn1) هذا وقد ذكر السكاكي حينما تعرض لهذا الموضوع في كتابه "مفتاح العلوم" كلاماً يفصح عن أهمية هذا الفن من فنون البلاغة، إذ يقول: ”وإنها لمحك البلاغة، ومنتقد البصيرة، ومضمار النظار، ومتفاضل الأنظار، ومعيار قدر الفهم، ومسبار غور الخاطر، ومنجم صوابه وخطائه، ومعجم جلائه وصدائه، وهي التي إذا طبقت فيها المفصل شهدوا لك من البلاغة بالقدح المعلى، وأن لك في إبداع وشيها اليد الطولى، وهذا فصل له احتياج إلى تقرير وافٍ، وتحرير شافٍ .. “ (2) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=674052#_ftn2).
¥