تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ولقد همت به وهم بها]

ـ[أحمد يخلف]ــــــــ[15 - 08 - 07, 12:27 ص]ـ

كنت أقرأ أنواع الوقف في القرآن فاستوقفني الوقف الكافي وهو الذي يجب الوقف عليه والابتداء بما بعده أتى الكاتب بمثال هوقوله تعالى {ولقد همت به} (يوسف: 24) والابتداء بقوله {وهم بها} وبهذا يتخلص القارئ من شيء لا يليق بنبي معصوم أن يهم بامرأة، ويصير {وهم بها} كلاماً مستأنفاً، إذ الهمّ من يوسف عليه السلام منفي، والهمّ الثاني غير الهمّ الأول. فراجعت التفاسير فكانت الأسرار العجيبة عند المفسرين ودحض الاقوال الباطلة في يوسف عليه السلام يقول شيخ الإسلام في كتاب دقائق التفسير:

وأما قوله ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه فالهم اسم جنس تحته نوعان كما قال الإمام أحمد الهم همان هم خطرات وهم إصرار

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن العبد إذا هم بسيئة لم تكتب عليه وإذا تركها لله كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له سيئة واحدة وإن تركها من غير أن يتركها لله لم تكتب له حسنة ولا تكتب عليه سيئة "

ويوسف صلى الله عليه وسلم هم هما تركه لله ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه وذلك إنما يكون إذا قام المقتضى للذنب وهو الهم وعارضه الإخلاص الموجب لانصراف القلب عن الذنب لله فيوسف عليه السلام لم يصدر منه إلا حسنة يثاب عليها وقال تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون

وأما ما ينقل من أنه حل سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة وأنه رأى صورة يعقوب عليه السلام عاضا على يده وأمثال ذلك فكله مما لم يخبر الله به ولا رسوله، وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبا على الأنبياء وقدحا فيهم وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفا واحدا

وقوله وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي فمن كلام امرأة العزيز كما يدل القرآن على ذلك دلالة بينة لا يرتاب فيها من تدبر القرآن حيث

قال تعالى:

" وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم "

فهذا كله كلام امرأة العزيز ويوسف إذ ذاك في السجن لم يحضر بعد إلى الملك ولا سمع كلامه ولا رآه ولكن لما ظهرت براءته في غيبته كما قالت امرأة العزيز ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي لم أخنه في حال مغيبه عني وإن كنت في حال شهوته راودته فحينئذ قال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين

وقد قال كثير من المفسرين إن هذا من كلام يوسف ومنهم من لم يذكر إلا هذا القول وهو قول في غاية الفساد ولا دليل عليه بل الأدلة تدل على نقيضه.

ذكرها الإمام الرازي عند الكلام على الآية فقال: لا خلاف في أن يوسف على نبينا وعليه السلام لم يأت بالفاحشة إنما الخلاف في وقوع الهم منه، فمن المفسرين من ذهب إلى أنه ذهب إلى أن هم وقصد الفاحشة وأتى ببعض مقدماتها وقد أفرط صاحب الكشاف في التشنيع على هؤلاء، كما نقلناه عنه في الصفحة السابقة، ومنهم من نزعه عن الهم أيضاً، وهو الصحيح وللإمام الرازي في تفسيره الكبير هنا نكتة لابأس بإيرادها.

قال الإمام: إن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة هم يوسف عليه السلام، والمرأة، وزوجها والنسوة، والشهود، ورب العالمين، وإبليسن وكلهم قالوا ببراءته عليه السلام عن الذنب فلم يبق لمسلم توقف في هذا الباب، أما يوسف فلقوله: "هي راودتني عن نفسي" وقوله "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه" وأما المرأة فلقولها "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" و"قالت الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه" وأما زوجها فلقوله "إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم" وأما النسوة فلقولهن "امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً إنا لنراها في ضلال مبين" وقولهن "حاش لله ما علمنا عليه من سوء" وأما الشهود فقوله تعالى: "وشهد شاهد من أهلها" إلى آخره.

وأما شهادة الله تعالى بذلك فقوله عز من قائل: "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين" وأما إقرار إبليس بذلك فبقوله: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين" فأقر بأنه لا يمكنه إغواء العباد المخلصين وقد قال الله تعالى: "إنه من عبادنا المخلصين" فقد أقر إبليس بأنه لم يغوه، وعند هذا نقول هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام الفضيحة إن كانوا من أتباع دين الله تعالى فليقبلوا شهادة الله تعالى بطهارته، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده، فليقبلوا إقرار إبليس بطهارته. انتهى كلام الإمام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير