تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[بيان أن لا بلاغة في تفسير غير أهل السنة للأسماء والصفات.]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[14 - 07 - 07, 12:22 ص]ـ

الحمد لله،

لا بلاغة في تفسير غير أهل السنة للأسماء والصفات.

من المؤكد أن البلاغة تأسست في دائرة البحث الكلامي، وقد كان المعتزلة سباقين لوضع أسس هذا العلم بمساهمة من الجاحظ وغيره، وتجدر الملاحظة إلى أن هذا العلم الناشيء لم بكن جزءا من علم اللغة العام بل كان وسيلة لتمرير- وربما تبرير- كثير من القضايا الكلامية .. وهكذا ألحق علم البلاغة خادما لعلم التوحيد على الترسيم الكلامي ... وفي ظني فإن مستحدثات البلاغة وتفريع مسائلها كان صدى لما يلاقيه مفسر القرآن من متاعب ..

وأذكر من ذلك مثلا اختراع الزمخشري المعتزلي للصورة البيانية المعروفة باسم "التخييل" لينفك عن إشكالات ظاهر النص.

1 -

ففي تفسير قوله تعالى:

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)

وجد أن الاستعانة بمفهوم المجاز المفرد لا يكفي،فعليه أن يؤول: مجاز "القبض" ومجاز" الطي" ومجاز" اليمين" وقد لا يتفق له العثور على المعنى الحقيقي-التنزيهي في زعمه-فاهتدى إلى أن يصرف النظر عن مفردات الآية فليس ثمة قبض ولا طي ولا يميين وأن المراد من الآية معنى آخر يتجاوز تلك المفردات وهو تصوير عظمة الله.

قال العلامة الزمخشري:

... ثم نبههم على عظمته وجلالة شأنه على طريقة التخييل فقال: {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز.

وقد تبنى المفسرون والبلاغيون اكتشاف الزمخشري - بمن فيهم خصومه الأشاعرة –لكن ساءهم اصطلاح" التخييل" فقد تورعوا أن يسموا شيئا من القرآن بهذا الوصف الذي يوحي بالتزييف والتمويه ... فغيروا الاسم واحتفظوا بالمسمى .. فسموه المجاز المتفرع على الكناية.

لم يكن في وسعهم أن يكتفوا بالكناية لأن الكناية عندهم يجوز معها إرادة المعنى الحقيقي .. ففي قوله عز وجل:

"الرحمن على العرش استوى "

لم يستسيغوا أن يقولوا هو كناية عن السلطة والقهر كما قالوا عن تعبيرهم "كثير الرماد" كناية عن الكرم. لأنه يجوز أن يكون ذلك الشخص فعلا كثير الرماد .. وهم يرون الاستواء حقيقة مستحيل على رب العالمين ... فكانت النتيجة اختراع هذا التفريع.

و تجرأ الزمخشري مرة ثانية فزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفهم من آية القبضة إلا ما فهمه هو من تخييل وتفريع للمجاز على الكناية، ثم ختم كلامه بتجهبل السلف قال-عفا الله عنه-:

وكذلك حكم ما يروى:

"أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا القاسم، إن الله يمسك السموات يوم القيامة على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع والشجر على أصبع و الثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن فيقول أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً مما قال ثم قرأ تصديقاً له {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ}. . . الآية، وإنما ضحك: أفصح العرب صلى الله عليه وسلم وتعجب لأنه لم يفهم منه إلاّ ما يفهمه علماء البيان من غير تصوّر إمساك ولا أصبع ولا هزّ ولا شيء من ذلك، ولكن فهمه وقع أوّل شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة، وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأفهام والأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه هواناً لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه، إلا إجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل، ولا ترى باباً في علم البيان أدقّ ولا أرقّ ولا ألطف من هذا الباب، ولا أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء، فإنّ أكثره وعليته تخييلات قد زلت فيها الأقدام قديماً، وما أوتي الزالون إلاّ من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير، حتى يعلموا أن في عداد العلوم الدقيقة علماً لو قدره حق قدره، لما خفي عليهم أنّ العلوم كلها مفتقرة إليه وعيال عليه، إذ لا يحل عقدها الموربة ولا يفك قيودها المكربة إلا هو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير