2 ـ و قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) الجمعة/10.
فهذا الأمر الوارد في الآيتين ليس للوجوب قطعا، و لهذا لا نقول: يجب على من حل من إحرامه أن يأخذ البندقية و يذهب ليبحث عن الطيور، لكنه للإباحة، لأنه ورد بعد النهي، و كأنه قال: إذا أحللتم ارتفع النهي، و أيضا لإجماع العلماء حيث لم يقل أحد بالوجوب.
و كذلك إذا وجد دليل يدل على الندب مثل الأوامر الدالة على صلاة سوى الصلوات الخمس، ما لم يكن لها سبب، فكل أمر بصلاة غير الصلوات الخمس إذا لم يكن لهذه الصلاة سبب فإنه محمول على الندب، لوجود قرينة، و هي قول النبي صلى الله عليه و سلم للأعرابي لما قال: هل علي غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع).
الفائدة 112
ثم قال المؤلف رحمه الله:
60ـ و لم يُفِدْ فَوْرا و لا تَكرارا ... إن لم يرِدْ ما يقتضي التَّكرارا
قوله (و لم يفد فورا): يعني أن الأمر ليس على الفور، بل هو على التراخي، و هذه المسألة اختلف فيها الأصوليون على قولين، هل الأمر المطلق يقتضي الفورية، أو هو على التراخي؟
القول الأول:
إن دل دليل على أنه للفورية فهو للفورية. و هذا واضح مثل: إذا دخلت المسجد فصل ركعتين. فهذا فيه دليل على الفورية، فقد قال صلى الله عليه و سلم: (إذا دخلت المسجد فلا تجلس حتى تصلي ركعتين).
و المسبب مقرون بسببه، فإذا وجد دليل على الفورية وجب العمل به على أنه للفور، و إذا لم يوجد فهو على التراخي.
و حجتهم أن المطلوب هو الفعل، و هو مطلق لم يقيد بفورية و لا تراخ، و الاصل عدم التأثيم بالتأخير.
و القول الثاني:
هو أن الأمر للفورية، و دليله نقلي و عقلي.
أما النقلي:
1ـ فقول الله عز وجل (فاستبقوا الخيرات) البقرة/148.
2ـ و لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما أمر الصحابة في الحديبية أن يحلقوا رؤوسهم، فتأخروا غضب عليه الصلاة و السلام، و لا يغضب على ترك مستحب.
و أما الدليل العقلي:
فلأننا إذا قلنا: إنه للتراخي. فإلى متى إن لم نحدده بزمن، صار منتهاه حضور الأجل، و كيف يمكن أن يقوم الانسان بالأوامر التي تعد بالألوف إذا كان قد أخرها عند موته؟! هذا لا يمكن، ثم يقال: هل الموت معلوم أجله؟ الجواب: لا، إذن لا تدري، لعل الموت يأتيك بغتة، و أنت لم تتمكن من الفعل، فالصواب أن الأمر على الفور إلا إذا دل الدليل على أنه للتراخي.
الفائدة 113
هل يقتضي الأمر التكرار؟
أما التكرار فكما قال المؤلف أن الأمر لا يقتضي التكرار إذا لم يرد ما يقتضي التكرار.
يعني: إذا أمر الشارع أن نفعل، و فعلناه مرة برئت الذمة إلا إذا وجد ما يقتضي التكرار:
1ـ مثل أن يكون المأمور موقتا بوقت:
أمثلة
مثال 1: صلاة الظهر موقتة بزوال الشمس، إذن كلما زالت الشمس صلينا.
مثال 2: الزكاة مقيدة بحلول الحول، فكلما حال الحول وجبت الزكاة، فإذا أدى الزكاة في أول السنة، لا يقول: برئت ذمتي، أنا أديت زكاة مالي.
لأن الزكاة مقيدة بوقت.
حتى إذا كان لا يتصرف في ماله، و لا ينمي ماله، و هو زكوي، فإنه يجب عليه أن يزكي كل سنة، فالمال الذي أعده الانسان لشراء بيت أو للنكاح، و هو لا يزيد، و لا يتجر فيه تجب الزكاة عليه فيه كل سنة، لأن الزكاة قيدت بأن تمام الحول موجب لها.
2 ـ و يقتضي الأمر التكرار أيضا إذا كان مقيدا بسبب، فهذا يتكرر بتكرار سببه:
مثال ذلك:
الوضوء و الحدث، فإذا وجد السبب الذي هو الحدث وجب الوضوء.
و ما إذا أطلق فإنه لا يقتضي التكرار، لأن الامتثال يحصل بالفعل مرة، كما لو قلت مثلا لابنك، يا بني، اسق الفقير، فسقى الفقير، هل يلزمه أن يسقي كل فقير؟ الجواب:لا يلزمه، إلا إذا وجدت قرينة بأن يقول له: كلما أتاك فقير فاسقه. فحينئذ يقتضي التكرار.
فالصوابإذن:
أنه لا يقتضي التكرار لحصول براءة الذمة بالفعل الواحد إلا إذا وجد ما يقتضي التكرار، و ضربنا لكم مثالا بالمأمور الموقت، و الثاني المأمور المقرون بسبب.
الفائدة 114
قال المؤلف رحمه الله:
61ـ و الأمرُ بالفعل المهِمِّ المُنْحَتِمْ ... أمرٌ به و بالذي به يَتِمّ
هذه قاعدة مفيدة، و هي أن الأمر بالشيء أمر بما لا يتم إلا به، و ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هذا في الواجب فقط.
و أن الأمر بالواجب أمر به، و بما لا يتم إلا به، و لكن الصحيح خلاف ذلك، و أن الأمر بالشيء أمر به، و بما لا يتم إلا به، سواء كان واجبا أو مستحبا:
1ـ فإن كان واجبا فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
2ـ و إن كان مستحبا فما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب.
الفائدة 115
الوسائل لها أحكام المقاصد
و هناك قاعدة أعم من هذه القاعدة عند العلماء،
و هي: الوسائل لها أحكام المقاصد.
و على هذا فنقول: ما كان وسيلة لواجب فهو واجب، و ما كان وسيلة لمستحب فهو مستحب، و ما كان وسيلة لمحرم فهو محرم، و ما كان وسيلة لمكروه فهو مكروه، و ما كان وسيلة لمباح فهو مباح.
الفائدة 116
عود إلى حديثنا، عندنا الآن 3 عبارات:
1ـ الوسائل لها أحكام المقاصد.
2ـ ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به.
3ـ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
و ترتيبها حسب عمومها: الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة.
و المؤلف تكلم عن الثالثة.
¥