و خرج به أيضا ما إذا كان النهي، من مماثل أو مساو فإنه يسمى التماسا، يعني: ألتمس منك، و أتحرى ألا تفعل.
فإذا قلت على سبيل المثال لزميلك: لا تزاحمني، جزاك الله خيرا. فهذا التماس.
و قوله: طلب، يعني: استدعاء.
و تعريف النهي كما يظهر من البيت ضد تعريف الواجب، فقد جعل المؤلف بدل استدعاء الفعل استدعاء الترك.
فصار النهي استدعاء الترك الواجب ممن هو دون من طلب، فالمعنى أن النهي طلب الكف عن الفعل ممن هو دونه، أي دون الطالب، على وجه الاستعلاء.
أي أن الطالب يفرض نفسه، و كأنه أعلى من المطلوب، و على هذا التعريف فإنه لا يشمل المكروه، فالمكروه ليس منهيا عنه، لأنه لا يطلب تركه على سبيل الوجوب، بخلاف المحرم.
فتبين الآن أن رأى المؤلف رحمه الله أن المستحب ليس مأمورا به، و أن المكروه ليس منهيا عنه، و هذا خلاف الصواب.
و الصواب أن المكروه منهي عنه، و أن المستحب مأمور به، و على هذا فنسقط في التعريف قوله: قد وجب.
الفائدة 123
قال المؤلف رحمه الله:
65ـ و أمرُنا بالشيء نهيٌ مانعُ ... من ضده و العكسُ أيضا واقعُ
يعنيبذلكالمؤلف رحمه الله:
أن الأمر بالشيء نهى عن ضده، و النهي عن الشيء أمر بضده.
هكذا قال المؤلف رحمه الله تعالى، و هذه مسألة فيها نزاع بين العلماء رحمهم الله تعالى، و هي قسمان:
1ـ الأمر بالشيء هل هو نهى عن ضده؟
الجواب: لا، ليس الأمر بالشيء نهيا عن ضده، إلا أن يكون ضده مفهوما من الأمر، فإذا قيل: افعل كذا، افعل كذا.
فهل هو نهي عن تركه، على كلام المؤلف يقتضي أن يكون نهيا عن تركه، و ليس كذلك.
فمثلا: لو أن رجلا ترك السواك عند الصلاة، هل نقول: إنه وقع في مكروه؟
الجواب: لا، نقول: ترك مستحبا، و لكنه لم يقع في مكروه، فلا بلزم من ترك المأمور الوقوع في ضده، فمن ترك سنة لا نقول: إنه فعل مكروها.
مثال آخر: لو قيل:ارفع يديك عند تكبيرة الإحرام، و عند الركوع، و عند الرفع منه، و عند القيام من التشهد الأول، فهل إذا لم أرفع أكون واقعا في النهي؟
المؤلف يرى أنك واقع في النهي، و هذا ليس بصحيح، بل يقال: الأمر بالشيء، يعني: الحثَّ على فعله، إما وجوبا، و إما استحبابا.
و مثال الواجب: أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالركوع، فهل هذا نهي عن ضده، نهى عن السجود؟
الجواب: لا، و لهذا نقول: الضد إذا كان هو عين النهي، فهذا صحيح أن نقول:
الأمر بالركوع نهي عن ترك الركوع، لأن ترك الركوع نفس الذي وقع فيه النهي.
الفائدة 124
ليعلم أنه كما للأمر صيغة، فكذلك للنهي صيغة، و هي لا تفعل، دون غيرها، أي: المضارع المقرون بلا الناهية.
و أما قولك: اجتنب كذا. فهذا لا شك أنه نهي.
لكنه لا يسمى نهيا اصطلاحا، بل نسميه أمرا بالاجتناب.
و يستفاد النهي أيضا من ذكر العقاب على من فعل كذا و كذا، فإن ذكر العقاب على الفعل يقتضي النهي عنه.
بل نحن نقول:
إن ذكر العقاب على الفعل يقتضي أن يكون الفعل من الكبائر، و هذا هو ما حد به شيخ الإسلام ابن تيمية الكبيرة، حيث قال رحمه الله:
إن ما رتب عليه عقوبة خاصة فهو من الكبائر، و ذلك لأن المنهيات نارة ينهي عنها، و يقال:
إنها حرام فقط، و تارة تقرن بعقوبة خاصة، إما في الدنيا، و إما في الآخرة، فهذه هي الكبيرة.
الفائدة 125
و لإكمال الفائدة فإن أهل العلم رحمهم الله نصوا على أن الكبائر هي:
1ـ كل ذنب رتب عليه الوعيد فإنه من كبائر الذنوب.
قال ابن عبد البر: كل ما أوعد الله عليه بالنار، أو رسوله صلى الله عليه و سلم فهو من الكبائر.
2ـ كل ذنب رتب عليه حد في الدنيا فإنه من كبائر الذنوب.
3ـ كل ذنب تبرأ النبي صلى الله عليه و سلم من فاعله فإنه من كبائر الذنوب.
الفائدة 126
ثم قال رحمه الله:
66ـ و صيغةُ الأمرِ التي مَضَتْ تَرِدْ .... و القصدُ منها أن يُباحَ ما وُجِدْ
1ـ ترد صيغة الأمر و يراد بها الإباحة:
يقول رحمه الله:
صيغة الأمر التي مضت في باب الأمر ـ و هي افعل ـ ترد، و يريد المتكلم بها الإباحة دون الوجوب.
و هذا معنى قوله: و القصد منها أن يباح ما وجد.
و مثاله: قوله تعالى: (و إذا حللتم فاصطادوا) المائدة/2.
فالأمر هنا ليس للوجوب، بل هو للإباحة.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل؟
¥