عكسه يعني به رحمه الله: تخصيص السنة بالقرآن، و هذا قليل جدا، و قد مثلوا له بقول النبي صلى الله عليه و سلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله، و يقيموا الصلاة، و يؤتوا الزكاة).
هذا عام: (أن أقاتل الناس).
كل الناس، النصارى و اليهود و المشركين و الملحدين، و لكن هذا مخصص بالقرآن، لقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون ما حرّم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون) التوبة /29.
و لم يقل: حتى يشهدوا ألا إله إلا الله.
إذن هذه الآية خصصت الحديث.
مثال آخر:
كان من جملة الشروط بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين قريش في الحديبية أن من جاء منهم مسلما رده الرسول صلى الله عليه و سلم إليهم.
و هذا يشمل الرجال و النساء فأنزل الله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهم فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) الممتحنة /10.
إذن الآية خصصت النساء، فالنساء لا يدخلن في الشرط.
فائدة:
و في هذا المثال دليل على أنه إذا تبين أن الشرط فاسد وجب إلغاؤه، وجهه أن الله أبطل هذا الشرط بالنسبة للنساء، فإذا قيل:
قد اتفقنا في العقد على هذا، قلنا: قضاء الله أحق، و شرط الله أوفى.
الفائدة 197
94ـ و الذكرُ بالاجماع مخصوص كما .. قد خُصَّ بالقياس كل منهما
قوله (الذكر):
المراد به القرآن، كما قال تعالى: (و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس) النحل / 44. فالذكر اسم من أسماء القرآن.
فالذكر مخصوص بالاجماع بمعنى أن الأمة إذا أجمعت على شيء فإنها تخصص عموم القرآن، و لقد مثل بعضهم لذلك بآيات المواريث، مع كون المملوك لا يرث، قال تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء /11.
فهذا رجل مات و له أولاد، أحدهم رقيق، هل يرث هذا الترقيق؟
على ظاهر الآية يرث، لأنه من الأولاد فيرث، لكن بالإجماع أنه لا يرث، يقول بعض العلماء: إن هذا خصص الآية.
فيقال: ليس هذا صحيح، عموم الآية، لم يدخل فيه أصلا المملوك، لأن الله قال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).
و اللام للتمليك، و المملوك لا يملك، و الدليل أن المملوك لا يملك قول النبي صلى الله عليه و سلم:
(من باع عبدا و له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع)
فإذا ورثنا المملوك صار الميراث لسيده، و هو أجنبي من الميت.
إذن نقول لمن ادعى أن الاجماع خصص الآية نقول:
هذا خطأ، فالآية نفسها لم تدخل المملوك، و الدليل قوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين).
فاللام للتمليك.
و لم أعلم إلى ساعتي هذه أن شيئا من الكتاب و السنة خُص بالاجماع، و كما أنني لا أعلم ذلك بالتتبع، فهو أيضا هو المعقول أنه لا يمكن أن يخصص الكتاب و السنة بالإجماع، لأن الإجماع لابد له من مستند، فيكون المخصص للقرآن هو هذا المستند و ليس الإجماع، و لا يمكن أن تجمع الأمة على غير دليل، فالإجماع دليل على الدليل، و ليس دليلا بلا دليل.
فإذا ادعى مدع مثلا أنه أتى بإجماع خصص القرآن و السنة،
نقول: هذا لا يمكن، و هاتوا مثالا صحيحا، و هذا لا يمكن بالتتبع، و لا يمكن أيضا من حيث النظر، لأنه لا يمكن إجماع إلا على دليل من القرآن أو السنة لكن قد يخفى الدليل،
كيف اختفاء الدليل؟؟
يكون اختفاء الدليل من تصرف بعض الناس، يقول:
يحرم كذا بالإجماع، و الدليبل موجود، لكن لا يأتي بالدليل، ثم بعد ذلك مع طول الزمن، و تناقل العلماء بعضهم من بعض ينسى الدليل.
الفائدة 198
قوله رحمه الله (كما خص بالقياس كل منهما)
فالقياس أيضا يخصص القرآن و السنة.
مثاله:
قوله تعالى (و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثماندين جلدة) النور.
و قال الله تبارك و تعالى: (الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مِائَةَ جلدة)
قوله تعالى: (الزانية) يشمل الحرة و الأَمَة.
و قوله تعالى: (و الزاني) يشمل الحر و العبد، لكن الأول "الزانية" خُص بقوله تعالى: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصفُ ما على المحصنات من العذاب) النساء/25.
¥