قال: قيل: و ما هممتَ به؟
قال: هممتُ أن أجلس و أدعه!.
و روى مسلم أيضا عن حذيفة قال:
صليتُ مع النبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة، فافتتح البقرةَ، فقلت: يركعُ عند المائة.
ثم مضى، فقلت: يصلى بها في ركعة.
فمضى، فقلتُ: يركع بها. ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمرانَ فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مرَّ بآية فيها تسبيحٌ سبّح، و إذا مرّ بسؤال سأل، و إذا مرّ بتعوذ تعوّذ، ثم ركع، فجعل يقول: (سبحان ربي العظيم).
فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: (سمع الله لمن حمده). ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجدَ فقال: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمدُ).
و هذا مع أن ابن مسعود أشبُّ من الرسول صلى الله عليه و سلم، و الشابُّ أقوى تحملا ن الشيخ، فالوصالُ خاصٌّ بالرسول صلى الله عليه و سلم، و لكن ما معنى قوله صلى الله عليه و سلم: (إني أبيتُ يطعمني ربي و يسقيني)؟
قلنا: فيه ثلاثةُ احتمالاتٍ:
الاحتمال الأول:
أنه يأكل و يشرب من الجنة، و طعام الجنة لا يفطّر الصائم.
و هذا قولٌ لولا أنه قيل لكان نقله عبثا.
الاحتمال الثاني:
أن الله لا يعطيه من تحمل الجوع و العطش ما لا يعطي غيره، و هذا و إن كان محتملا، لكنه ليس فيه ذاك المنزلة العالية للرسول صلى الله عليه و سلم.
الاحتمال الثالث:
أنه لانشغاله بالله عز و جل و تعلق قلبه به نسي الأكل و الشرب، و لم يهتم، بعدمه، و هذا عندي أقوى الاحتمالات، و عليه فإن الوصال يكون حراما علينا، و حلالا للرسول صلى الله عليه و سلم، دلَّ الدليلُ على ذلك.
فعندنا الآن مثالان من الخصوصيات:
المثال الأول: من القرآن.
و المثال اثاني: من السنة.
الفائدة 224:
قال المؤلف رحمه الله:
107 ـ وحيث لم يَقُمْ دليلُها وَجَبْ ... و قيل: موقوفٌ وقيل: مستحبْ
109 ـ في حقِّهِ وحقِّنا و أما ... ما لم يكن بقربة يُسمى
قوله: دليلها.أي: دليلُ الخصوصية.
معنى البيت:
أنه إذا لم يقم دليلٌ على الخصوصية، وفعل النبي صلى الله عليه و سلم فعلا على وجه القربة، فهنا يقول رحمه الله: في فعله صلى الله عليه و سلم ثلاثة أقوال:
الأول: أنه واجب
و الثاني: أنه مستحب
و الثالث: التوقف،
لا نقولُ: هو واجب، و لا مستحبٌّ. لكن نقول: هو طاعة و قربة.
و يقولُ المؤلفُ: في حقه و حقنا.
و الصحيحُ من الأقوال الثلاثة أنه في حق الرسول صلى الله عليه و سلم واجبٌ إذا لم يحصل البلاغ بدونه، أي: بدون الفعلِ.
يعني:
الرسولُ صلى الله عليه و سلم ما بيّنَ للناس أن هذا الشيءَ مستحبٌّ، لكن فعله هو، و لا يحصلُ البلاغ للناس إلا بهذا الفعل، فهنا الفعل واجبٌ، و ذلك لوجوب التبليغ عليه صلى الله عليه و سلم، قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربِّكَ) المائدة: 67.
و إذا لم يحصل بلاغ إلا بالفعل صار الفعل واجبا.
الفائدة 225
أما بالنسبة لنا ففعله صلى الله عليه و سلم فيه ثلاثة أقوال:
الأول: أنه واجب.
و الثاني: أنه مستحب.
و الثالث: التوقف.
مثال ذلك:
كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخلَ بيته بدأ بالسواك.
هذا فعلٌ لم يأمر به، فيجب عليه أن يتسوك، لأنه عبادة ما علمناها إلا عن طريق الفعل.
أما بالنسبة لنا:
قيل: إنه واجبٌ.
و قيل: مستحب.
و قيل بالتوقف.
1 ـ أما القائلون بالوجوب
فاستدلوا بقول الله تعالى: (لقدكان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر) الأحزاب:21.
و كلنا يرجو الله و اليوم الآخر!
2 ـ و القول الثاني:
أنه مستحب، لأن فعل النبي صلى الله عليه و سلم إياه على وجه القربة يقتضي أن نفعله، و الأصل عدم العقوبة على الترك و براءة الذمة.
هذا هو الأصل، فحينئذ يترجح فعله بدون عقاب على تركه.
و هذا القول الثاني أصح،أنه مستحب،ما لم يقم دليل على الوجوب.
3 ـ و أما التوقف:
فهو قول الانسان الورع الذي يقول: أنا أفعله، و لا أقول: واجب و لا غير واجب.
و هذا لا شك أنه ورع، لكن ينبغي أن أقول: إنه واجب أو مستحب، لأن الفرق بينهما عظيم.
¥