هذا البيت احترازا مما إذا رفع الحكم عن الشخص لحال تستدعي ذلك، كرفع وجوب القيام في الصلاة للعاجز، فهذا لا يقال: نسخ، لأنه وجدت حال تقتضي التخفيف، فخفف، و هنا يقول: لولاه لكان ذاك ثابتا.
و الآن وجوب القيام ثابت،و لكن رفع الحكم عن هذا العاجز لسبب.
الفائدة 237
ثم قال رحمه الله:
115 ـ إذا تراخى عنه في الزمان ... ما بعده من الخطاب الثاني
يعني: يشترط المؤلف رحمه الله أن يكون الثاني، و هو الناسخ، متأخرا عن الأول، و التراخي في كل شيء بحسبه، قد يتراخى لمدة شهر، أو شهرين، أو سنة، أوسنتين، و قد يتراخى ساعة أو ساعتين، و قد يقترن بالأول إذا أمكن تنفيذ الحكم، بل على القول الراجح يمكن النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ، المهم أن يثبت الحكم، ثم يأتي ما ينسخه.
الفائدة 238
(أقسام النسخ باعتبار بقاء المنسوخ و عدمه)
ثم قال رحمه الله:
116 ـ و جاز نسخُ الرسم دون الحكم ... كذاك نسخُ الحكم دون الرسم
117 ـ و نسخ كل منهما إلى بدل ... ودونه و ذاك تخفيف حصلْ
118 ـ و جاز أيضا كون ذلك البدل ... أخفَّ أو أشدَّ مما قد بطل
أفادنا المؤلف رحمه الله أن النسخ ينقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث الناسخُ و المنسوخُ:
الأول: يجوز نسخ الرسم دون الحكم
و المراد بالرسم هنا اللفظ، يعني: يجوز أن ينسخ اللفظ، و يبقى حكمه.
و منه آية الرجم، فآية الرجم نزلت، و قرأها الصحابة، و عقلوها، و وعوها، و نفذت فعلا، ثم بعد ذلك نسخ اللفظ، و بقي الحكمُ، فآية الرجم ليست موجودة، لكن نعلم أنها كانت موجودة، ثم نسخت، و ارجم لم يرفع كحكم شرعي.
إذا: هذا نسخ اللفظ دون الحكم.
فإذا قال قائل: ما الفائدة من نسخ اللفظ مع بقاء الحكم، و لماذا لم يبق اللفظ خصوصا في القرآن ليزداد تعبد الناس به، لأن تلاوة القرآن عبادة؟ فأي فائدة؟!
نقول: الفائدة، و الله أعلم، هي:
ـ بيان امتثال هذه الأمة لأمر الله و تنفيذها لحكمه،
ـ و بيان فضيلتها و ميزتها على من سبق من الأمم،
لأن اليهود أنكروا الرجم، مع أنه ثابت في الآية في التوراة ـ يعني: لفظه و حكمه باق ـ و مع ذلك استكبروا عنه، و قصة الرجل اليهودي الذي زنى بامرأة، و أتيا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم لعله يجد حكما دون الرجم، فأمر برجمهما، فقالوا: هذا ليس عندنا. حتى أتي بالتوراة، فإذا بآية الرجم موجودة.
إذا: الفائدة بيانُ امتثال هذه الأمة لحكم الله، و لو كان منسوخَ اللفظ، و لا تستكبر عن حكم الله أبدا، و لو لم يكن أمامها.
الثاني: نسخ الحكم دون لفظه
، يعني: نسخ الحكم، و اللفظ باقٍ.
و منه ما تلوناه عليكم من آية الصيام و آية المصابرة، فالمنسوخ باقٍ لفظه. ما الفائدة؟؟
الفائدة من بقاء لفظه:
1ـ زيادة الأجر بالتلاوة، لأنه لو نسخ لفظه لم يحصل لنا أجر.
2ـ تذكير العباد بنعمة الله علينا، فيذكر العباد بهذه النعمة إذا كان من الأثقل إلى الأخف، أو يذكرون بحسن ترتيب الشريعة إذا كان من الأخف إلى الأثقل.
الثالث: نسخ اللفظ و الحكم معاً.
و مثّلوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها، في الرضاعة، قالت رضي الله عنها: كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم، و هن فيما يقرأ من القرآن.
فمن حيث اللفظ: ليس في القرآن أن الرضاع عشر رضعات.
و أما الحكم: فقد انتقل إلى الخمس.
إذا فالعشر فيها نسخ اللفظ و الحكم، و الخمس فيها نسخ اللفظ و بقاء الحكم.
إذا صار النسخ ينقسم إلى ثلاثة أقسام باعتبار بقاء المنسوخ و عدمه.
الفائدة 239
(أقسام النسخ من جهة أخرى)
و كذلك ينقسم النسخ، من جهة أخرى إلى أقسام:
1 ـ إلى بدل
2 ـ و دونه
أي: إلى بدل و إلى غير بدل،
بمعنى أنه ينتقل الناس من الحكم الأول، و يعفى عنه إلى غير بدل، أو إلى بدل، و البدل قد يكون أخف أو أثقل أو مساويا.
فيكون التقسيم أولا إلى بدل و إلى غير بدل:
1 ـ إلى بدل: بمعنى أن ينسخ الحكم الأول، و يحل محله حكم ثان.
2 ـ إلى غير بدل: ينسخ الحكم، و لا يحل محله حكم ثان.
الفائدة 240
الأول: إلى غير بدل، و مثلوا له:
¥