يقولُ: للعلم قد أفادا، فالخبر المتواتر ـ على كلام المؤلف ـ هو ما أفاد العلم، و ما لا يفيد العلمَ فهو خبرٌ، و هذا تعريف الشيء بالضدّ، و تعريف الشيء بالضد مردود عند علماء المنطق، كما قال بعضهم:
و عندهم من جملة المردود .... أن تدخل الأحكام في الحدودِ
و سيذكر المؤلف رحمه الله تعريفه فيما بعدُ:
و قولهُ رحمه الله: (و ما عدا هذا اعتبر آحادا)
يعني: ما عدا المتواتر فهو آحاد، فدخل فيه المشهور و العزيز و الغريبُ.
الفائدة 277
قال رحمه الله:
145 ـ فأي النوعين ما رواه ... جمعٌ لنا عن مثله عزاهُ
146 ـ و هكذا إلى الذي عنه الخبر .... لا باجتهادٍ بل سماعٍ أو نظرٍ
قوله (فأول النوعين) يعني: المتواتر.
إذا ما رواه جمعٌ كثيرٌ يمتنعُ في العادة أن يتواطئوا على الكذب، هذا هو المتواتر.
و سُمّي متواترا من: تواتر الشيء إذا تتابع، كما يقال: تواتر القطر، يعني المطر.
فالمخبرون تواتروا على هذا الخبر، و تتابعوا عليه، فلابد من جمع، و يشترط في هذا الجمع ألا يمكن تواطؤهم على الكذب.
و لابد أيضا أن يكون هذا الجمع رواه عن جمع مثله، و لهذا قال: عن مثله عزاه.
الفائدة 278
قال رحمه الله: (و هكذا إلى الذي عنه الخبر)
قوله: (و هكذا) أي: كل جمع يعزوه إلى مثله.
و قوله (إلى الذي عنه الخبر) يعني: إلى منتهى الخبر، و منتهى الخبر إما إلى الرسول صلى الله عليه و سلم، و إما إلى الصحابة، و إما إلى من بعدهم.
الفائدة 279
ثم قال رحمه الله: (لا باجتهاد بل سماع أو نظر)
يعني:
أن هؤلاء لم ينقلوه عن مثلهم عن اجتهاد، و احترز بذلك عن نقل النصارى النقل المتواتر على أن الله ثالث ثلاثة، و نقل اليهود النقل المتواتر على أن مريم بغي!!!
و العياذ بالله!!!
فهذا نقل متواتر، لكنه ليس عن سماع، و لا عن مشاهدة، بل هو عن اعتقاد فاسد.
و عليه فخبر النصارى بأن عيسى ابن مريم ابن الله أو أنه إله خبر كاذب، و لو تواتر، هذا أيضا خبرٌ عن اجتهاد، فلا يعد متواترا، و لا يفيد العلم.
يقول: بل سماع أو نظر.
يعني: بل يكون منتهاه السماع إن كان مما يسمع، أو النظر إن كان مما يرى، لأن الحديث إما مسموع أو مرئي.
الفائدة 280
قال رحمه الله:
147 ـ و كل جمع شرطه أن يسمعوا ... و الكذبُ منهم بالتواطي يمنع
قوله: (و كلُّ جمع)
يعني، من الجمع المتواتر.
و المراد بالبيت أنه يشترط لنقلة المتواتر أن يسمعوا، و أن يمتنع تواطؤهم على الكذب.
و قوله: (أن يسمعوا)
يعني، أو يروا، اللهم إلا أن يكونَ صواب العبارة، و كلُّ جمع شرطه أن يسمعوا.
قوله: (و الكِذبُ منهم بالتواطي يمنع)
فالمتواتر ما نقله جمعٌ كثير يستحيل في العادة أن يتواطئوا على الكذب، و أسندوه إلى شيء محسوس، أي: مرئي أو مسموع.
و حكمه أنه مفيد للعلم فبمجرد ما يأتينا هذا الحديث، و هو متواتر، فإننا نقول:
إن النبي صلى الله عليه و سلم قد قاله، و لا إشكالَ.
و ليعلم أن التواتر في الأحاديث نوعان:
1 ـ لفظي: و هو قليل.
2ـ و معنويٌّ: و هو كثير.
فالمتواتر اللفظي أن يتواتر الرواة على هذا اللفظ، و مثَّلوا له بقول النبي صلى الله عليه و سلم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
و أما التواتر المعنوي فأن يكون كلُّ حديث له معناه الخاص، لكن تتفق في شيء واحد، و مثّلوا لذلك بالمسح على الخفين فإنه قد جاءت فيه أحاديث كثيرة، لكنها ليست متفقة اللفظ، و قد نُظِم في ذلك بيتان هما قول الناظم:
مما تواتر حدث من كذب ... و من بنى لله بيتا و احتسب
و رؤية شفاعة و الحوضُ ... و مسح خفين و هذي بعضُ
الفائدة 281
أما النوع الثاني من الأخبار، فيقول رحمه الله:
148ـ ثانيهما الآحادُ يوجبُ العملْ .. لا العلمَ لكن عنده الظنُّ حصلْ
قوله (ثانيهما الآحاد) الضمير يعود على نوعي الأخبار.
و قوله: الآحاد هو كلُّ ما سوى المتواتر، و حتى و لو رواه ثلاثة أو أربعة أو خمسة.
و قوله (يوجب العمل) هذا بيان حكمه أنه يوجب العمل، فإذا روي هذا الحديثُ من طريق واحد، و فيه ثبوت حكم وجب علينا العمل به، و لا نقول: هذا خبرُ آحاد، فلا نعمل به، بل نقول:
هذا خبرٌ صحيح يجب العمل به.
¥