و قوله (لا العلمَ) أي أن خبر الآحاد لا يوجب العلمَ مطلقا، كما هو ظاهرُ كلامه، و الصحيح أن الآحاد يوجب العلمَ بالقرائن، فإذا وجدت قرينة تدلُّ على أن الرسول صلى الله عليه و سلم قاله أو فعله فإنه يوجب العلمَ.
و قوله رحمه الله (لكن عنده الظن حصلْ) يعني:
أن أخبار الآحاد تفيد الظن، هكذا قال المؤلف رحمه الله، و هو قول كثير من المتكلمين أن الآحاد لا يوجب العلمَ إطلاقا، و إنما يوجب الظنَّ، و في هذا القول نظر.
و الصواب أن الآحاد يوجب العلم بالقرائن، أرأيتم حديث عمر: (إنما الأعمالُ بالنيات، و إنما لكل امرئ ما نوى) هذا الحديث من أخبار الآحاد، بل من أخبار آحاد الآحاد، لأنه غريب في منتهى سنده، و مع ذلك نحن لا نشك أن الرسول صلى الله عليه و سلم قاله، و نعلم أنه قاله مع أنه خبرُ آحاد.
فعلى هذا نقول:
خبر الآحاد على رأي المؤلف لا يفيد إلا الظن، و الصوابُ أنه يفيد العلمَ، لكن بقرينة، و قد صرّح بذلك ابنُ حجر في "النخبة".
الفائدة 282
ثم قال رحمه الله:
149 ـ لمرسل ومسند قد قُسِّما ... و سوف يأتي ذكرُ كلِّ منهما
يعني: أن أخبار الآحاد تنقسم إلى قسمين، مرسل و مسند.
الفائدة 283
قال رحمه الله:
150 ـ فحيثما بعضُ الرواة يفقد ... فمرسل و ما عداه مسندُ
المؤلف رحمه الله يرى أن المسند ما اتصل سنده، و المرسلَ ما انقطع سنده، فانظر الفرق بين اصطلاح الفقهاء و اصطلاح المحدثين، فالمحدثون يقولون: إن المرسل ما رفعه التابعي، و يقولون: المسند مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال.
أما الفقهاء فيقولون: المسند ما اتصل إسناده و المرسل ما انقطع إسناده.
و لا شك أن الفقهاء كلامهم أوضح، لكن كلام المحدثين أدق بلا شك.
الفائدة 284
قال رحمه الله:
151 ـ للاحتجاج صالح لا المرسلُ ... لكن مراسيلُ الصحابي تقبلُ
يعني:
أن الآحاد صالحة للاحتجاج، لا المرسلُ، و المرسلُ سبق أنه ما انقطع سندهُ.
و قوله (لكن مراسيلُ الصحابي تقبلُ) أي: أنها محتجٌّ بها، و مراسيُ الصحابيِّ هي ما رواه الصحابيُّ الذي لم يسمع من الرسولِ صلى الله عليه و سلم، فهذا يسمّى مرسل صحابي.
مثاله: أن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه ولد عام حجة الوداع، فإذا روى حديثا عن النبي صلى الله عليه و سلم، فإننا لا نقول:
إنه متصل، بل نقول: هذا مرسل لأنه بلا شك لم يسمع من النبي صلى الله عليه و سلم، لكن يجبُ أن نقول:
مرسل صحابي، و يكون مقبولا حجة، لأنه و إن كان هو لم يسمع من الرسول صلى الله عليه و سلم، فيحتمل أنه سمعه من صحابي آخر عن الرسول صلى الله عليه و سلم، أو سمعه من تابعي، عن الصحابي، عن الرسول صلى الله عليه و سلم، يحتمل هذا و هذا.
ـــــــــــــــ
مجلس آخر للشيخ العثيمين رحمه الله
الحمد لله و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ...
خلاصة
سبق لنا بأن المؤلف رحمه الله قسم الأخبار إلى:
1 ـ متواتر يفيد العلم.
2 ـ و إلى آحاد يفيد الظن و لا يفيد العلم.
و ما ذكروه صحيح من حيث الجملة، فالمتواتر يفيد العلم و لا شك، و أما الآحاد فالأصل ألا يفيد إلا الظن، لكن قد يفيد العلم بالقرائن.
و الصواب أن الآحاد الأصل ألا يفيد إلا الظن، لكن قد يفيد العلم بالقرائن، فمثلا إذا كان الحديث في الصحيحين، البخاري و مسلم، و قد اتفق العلماء على جلالتهما، و على أنهما إماما أهل الحديث، و تلقت الأمة هذا الحديث بالقبول، و قد جاءنا بطريق الآحاد فمثل هذا يفيد العلم بلا شك،
و لذلك نحن نقول: إن علمنا بقول النبي صلى الله عليه و سلم: (إنما الأعمال بالنيات، و إنما لكل امرئ ما نوى)
كعلمنا بقوله صلى الله عليه و سلم: (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) و الثاني متواتر، والأول آحاد.
و هذا القول هو المتعين الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله و ابن الصلاح و ابن حجر و غيرهم من المحققين بأن خبر الآحاد يفيد العلم بالقرائن.
نعم!
و ذكر أيضا رحمه الله أنه ينقسم الخبر إلى مرسل و مسند، و فسر المسند بأنه متصل، و هو غير تفسير ابن حجر، يعني ابن حجر يقول: أن المسند مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال،
و هذا يا إخوان!
¥