"أف" معناها: أتضجر، و هذا محرم، فإذا حرم التأفف فالضرب من باب أولى لأن العلة الإيذاء لأن فيه إيذاءً للقلب و إيذاءً للبدن، و التضجر فيه إيذاء للقلب فقط.
فيقال: ضرب الوالدين حرام قياسا على التأفيف، و هذا قياس علة لأن الفرع أولى بالحكم من الأصل.
و هذا يسمى قياس الأولى فكل قياس أولى فهو قياس علة.
مثال آخر:
قال تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) النساء: 10.
فلو جاء إنسان فقال: نهى الله عن الأكل، و أنا لن آكلها، و لكني سأحرقها.
نقول: إحراقها أشدُّ تحريما من أكلها، لأن أكلها ليس فيه إضاعةُ مالٍ، و إحراقها فيه إضاعة للمال، و إفسادٌ له، و مع ذلك فيه أكلٌ لمالِ اليتامى.
فيكون تحريمُ الإحراق من باب أولى، و يكون هذا القياسُ قياسَ علة.
مثال ثالث:
امرأة لم تتزوج أصلا فقيل لها: أتريدين أن تتزوجي بفلان؟
قالت: نعم
فنقول هذا إذنها قياسا على السكوت و الصمت لأنه من باب أولى.
مثال رابع:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه).
فتكلَّم رجلان، و معهما الثالثُ، و صارا يشتمان هذا الثالثَ علناً فلا شكَّ أن هذا أشدُّ إحزاناً له، لأنه في حالة التناجي يقولُ: ربما كانا يتكلمان فيَّ أو في غيري، لكن إذا سمعهما يقولان فيه قولا شنيعا فإن ذلك أشدّ إحزانا له.
فرفعُ الصوت بسبّه و شتمه حرام، لأنه يحزنه، فصار الضابط في قياس العلة ما كان المقيسُ أولى بالحكم فيه من المقيس عليه.
و قوله: (و هو) يعني قول أف (للايذا) متعلق بمنع و هو ممنوع من أجل الايذاء فالضرب أشد.
الفائدة 298
الثاني:قياسُ الدّلالةِ:
قال المؤلفُ رحمه الله:
161ـ و الثانِ ما لم يوجب التعليل ... حكما به لكنه دليلُ
162 ـ فيستدلُّ لابالنظير المعتبر ... شرعا على نظيره فيعتبر
163ـ كقولنا مالُ الصبي تلزم ... زكاته كبالغ أي للنمو
هذا هو قياس الدلالة، فقياسُ الدلالة هو أن يكون الحكم في المقيس نظير الحكم في المقيس عليه، يعني: هما سواء، فيستدل بهذا على نظيره، و عليه فيكون قياسُ الدلالة أضعف من قياس العلة، لأن العلة في قياس العلة ِ موجِبة للحكم.
و أما قياس الدلالة فإن الدليلَ مجوِّزٌ لنقل الحكم من المقيس عليهإلى المقيس، لأنه نظير بنظيره، و ليس كدلالة العلةِ إذ من الجائز أن يكون لهذا النظير معنى خاص يمنع الإلحاقَ، و هو غير معلوم لنا.
و مثاله:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
163 ـ كقولنا مال الصبي تلزم ... زكاته كبالغ أي للنمو
الزكاةِ في مال الصبي، هل هي واجبة أو لا؟
فيه خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى فمنهم من قال بالوجوب و منهم من قال بعدم الوجوب.
و أما الزكاة في مال البالغ فواجبة بلا خلاف.
فإذا قال قائل:
أنا سأقيس مال الصبي في وجوب الزكاة على مالِ البالغ في وجوب الزكاة، و العلة الجامعة بينهما: النمو، فكل منهما مالٌ نامٍ.
فالثمار مثلا تجبُ زكاتها إذا كانت لبالغٍ، فتجبُ زكاتها إذا كانت لصبي، و العلة النمو، و كذلك الغنم و الإبل و البقر و عروض التجارة تجب فيها الزكاة، و العلة النمو، فإذا كانت هذه العلة فإنها تجب الزكاة في مال الصبي كما تجب في مال البالغ.
هذا إذا قلنا إن وجوب زكاة مال الصبي بالقياس على وجوب الزكاة في مال البالغ.
أما إذا قلنا: إنها ثابتة بالنص، و هو الصحيح فلا حاجةَ للقياس.
و الزكاةُ في مال الصبي واجبة بالنص، لأن الزكاةَ حق المال، كما قال أبو بكر رضي الله عنه استدلالا بقوله تعالى: (خُذ من أموالهم صدقة) التوبة: 103.
و لم يقل: خذ منهم فالزكاة في المال.
و لقول النبي صلى الله عليه و سلم حين بعث معاذا إلى اليمن: (أعلمهم أن اللهَ فرض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم).
و الصبي هذا غني و المالُ مالٌ فتجب الزكاة فيه، فوجوب الزكاة في مال الصبي و المجنون ثابت بالنص.
لكن لو أن أحدا ترك الاستدلال بالنص، و قال: أنا أريد أن أثبت ذلك بالقياس أيضا، فأوجب الزكاةَ في مال الصبي قياسا على وجوب الزكاة في مالِ البالغ، بجامع النمو في كل منهما.
لكان هذا يسمى قياس دلالة.
مثالٌ آخرُ على قياس الدلالة:
قال تعالى:
¥