ننتقل الآن إلى البحث الثاني في القياس قال رحمه الله:
167 ـ و الشرطُ في القياس كونُ الفرع ... مناسبا لأصله في الجمع
168 ـ بأن يكون جامعُ الأمرين ... مناسبا للحكم دون مين
بين رحمه الله تعالى في هذين البيتين أن الشرطَ الأولَ من شروط القياس أن يكونَ الفرعُ مناسبا للأصلِ في الأمر الذي يجمع به بينهما للحكم، فلا تفاوت بينه وبين الأصل.
و المرادُ بالأمر الذي يجمع به بينهما هو العلةُ الجامعةُ المناسبة للمقيس و المقيس عليه، فيجتمع كلٌّ من المقيس و المقيس عليه، و لا العكس.
و قد يقال: إنه يستغنى عن هذا الشرط بقوله في حدِّ القياس:
ردُّ الفرعِ إلى الأصلِ لعلة تجمعهما في الحكمِ.
و مثال ذلك:
قياس النبيذ على الخمر لعلة الإسكار، و قياس وجوب القصاص في الأطراف، على القصاص في النفس بجامع الجناية.
و قوله رحمه الله: (دون مين) أي: دون كذب.
الفائدة 201
(الشرط الثاني للقياس)
قال رحمه الله:
169 ـ و كون ذاك الأصلِ ثابتا بما ... يوافق الخصمين في رأييهما
يعني: أن الشرطَ الثانيَ من شروط القياس أن يكون حكمُ الأصلِ متفقا عليه ثبوتا و دلالة بين الخصمين المتنازعين في ثبوت ذلك الحكم للفرع، ليكون القياسُ حجة على الخصم المنكر لذلك الحكم في الفرع، فإن لم يثبت الأصلُ عند الطرفين لم يصحّ القياسُ، و هذا في باب المناظرة، لا مطلقا.
فالشرطُ في الواقع أن يكون الحكمُ ثابتا في الأصل، سواءٌ كان في نفس الإنسان إذا لم يكنْ له مخاصم، أو بينه و بينَ الخصمِ إذا كان له مخاصمٌ.
مثال ذلك:
رجل قال:
إنه لا يصح أن يُرْمَى بالحصاة في الحجِّ مرة أخرى، لأنها استعملت في أمر واجب، فلا يصح استعمالها فيه مرة أخرى قياسا على الماء الطهور إذا استعمل في طهارة واجبة، فإنه لا يكون مطهرا.
فعندنا الأصلُ الآن الماء الطهورُ استعمل في طهارة واجبة، و عندنا فرعٌ، و هو رميُ الجمرات بحصى قد رمي به، فيقول الخصمُ:
أنا لا أوافق على حكم الأصل، و هو أن الماءَ المستعملَ في طهارةٍ واجبةٍ يكونُ طاهرا غيرَ مطهرٍ.
إذا قال هذا فإن القياس يبطل، لأنه إذا بَطل الحكمُ في الأصل لزم بطلانه في الفرع.
مثال آخر:
إذا قال تجبُ التسميةُ في الغُسلِ قياساً على الوضوء، لأن كلا منهما طهارة واجبة، و خصمه مسلم بالأصل، و يقولُ: نعم، التسميةُ في الوضوء واجبةٌ.
و لكنه يقول: لكنها في الغسلِ غيرُ واجبةٍ، فهل يُلزمُ بالقياس؟
الجواب ُ:
نعم، يلزم ُ، ما دام يثبتُ وجوبَ التسميةِ في الوضوءِ.
لكن إذا عارض، و قال: أنا لا أوجيبُها في الغسل، لأن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يغتسلُ كثيرا، ولم يقُل: لا غسل لمن لم يذكر اسمَ الله عليه، فعدم ذكر التسمية في الغسل، مع توفر الدواعي على نقلها يدل على عدم الوجوب، فيقال له: و ورد أيضا أحاديثُ كثيرة في صفة الوضوء، لم يذكر فيها التسمية، فمن أوجبها في الوضوء
لزمه أن يوجبها في الغسل.
و في التيمم أيضا ربما يقيسون، فيقولون:
إن البدل له حكم المبدل.
و ربما يعارضُ الخصمُ، فيقول:
إن الرسول صلى الله عليه و سلم قال لعمارٍ رضي الله عنه: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا) و لميذكر البسملة.
الفائدة 202
والخلاصة:
أنه يشترط ثبوت حكم الأصل في نفس المستدلِّ، و في قول الخصم إذا كان هناك خصمٌ، لأنه إذا لم يثبت الحكم في الأصل لزم ألا يثبت في الفرع.
الفائدة 203
(الشرط الثالث للقياس)
قال المؤلف رحمه الله:
170 ـ و شرط كلّ علة أن تطرد .. في كلِّ معلولاتها التي ترِدْ
171 ـ لم تنتقض لفظا و لا معنى فلا ... قياسَ في ذات انتقاض مسجلا
يعني:
أن الشرطَ الثالثَ من شروط القياس أن تكونَ العلةُ مطّردة في كل معلولاتها التي تردُ، يعني:
أن تكون العلةُ موجودةً في كل المعلولات.
فإن كانت لا توجدُ في جميع المعلولات بطل القياسُ، لأنه إذا انتفت العلةُ في المقيس لم يمكن إلحاقه بالمقيس عليه، لأنها منتقضة،
فإذا قيل مثلا:
إن التأفيف للوالدين يؤذيهما، فأراد إنسان أن يقيس تبرمَ الولد من أبيه أو أمه على قوله: أفّ.
نظرنا: هل توجد الأذية في التبرمِ، كما توجد من قول: أف. أو لا؟
فإن كانت توجد فالعلة واحدة مطردة، و إن لم توجد فهي غير مطردة، فلا يصحُّ الإلحاقُ.
ـ كذلك لو قال قائل:
¥