تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقولُ: إن هذا بحثٌ لا طائلَ تحته إطلاقا، لأن المسألة قد مضت و انتهت، فالرسلُ قد بعثوا من أزمان بعيدة، لكن هو جدالٌ عقلي أوجده المتكلمون، ليشغلوا الناسَ عما هو أهمُّ، سواءٌ أرادوا ذلك، أم لم يريدوه، و لهذا لا نعلمُ أن صحابيا قال: يا رسولَ اللهِ، ما هو الأصلُ في الأشياءِ قبلَ أن تبعث الرسلُ؟

فما الفائدةُ أن نعرفَ الحكمَ قبلَ أن يخلقَ آدمُ، فنحن نعلمُ أن الناسَ لا يأثمون قبلَ إرسالِ الرسل، لقوله تعالى: (لئلا يكونَ للناس على الله حجة بعد الرُسُل) النساء: 165.

و هذا هو المهم أن الناس لا يأثمون.

لكن من الناحية العقليةِ إذا كان الله قد خلق لنا أشياءَ، و لم ينهنا عنها، فالأصلُ الإباحةُ، و هذا حكمٌ عقلي طبيعي، إذا فلا حاجة للنزاعِ.

الذين قالوا:

الأصلُ المنعُ، قالوا: لأن هذا ملكُ اللهِ، و لا يمكنُ أن تتصرف في ملكه بلا إذنه فيكون الأصل التحريم.

لكن نقول لهم: لا يمكن أن أمتنع عمّا أوجده الله بين يدي بدون منع. و هذا القول أي الأصل في الأشياء الإباحة هو الراجح، و دليله قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) البقرة/ 29 ذكره سبحانه في معرض الامتنان، و لا يمتن إلا بجائز، فكل ما في الأرض من أشجار و أنهار و بحار و غيرها، الأصل فيها الحل.

و على هذا فلو أتانا رجل بطير، و آخر بزاحف: فقام رجل ثالث: و قال هذا كله حرام.

و قام رجل رابع، و قال: هما حلال.

فالأصل مع الرابع الذي قال:

هما حلال حتى يقوم دليل على المنع.

فالصوابُ أن نقولَ:

أولا: هذا البحثُ لا طائلَ تحته، لأن المهمّةَ فيه انتهت.

ثانياً: الأصلُ فيما خلق اللهُ لنا، و لم يمنعنا منه الحلُّ، لأنه كريمٌ عز و جل، فلكرمه لا يقدّم لعباده شيئا إلا و هو حلالٌ لهم، لا يأثمون به.

إذا (لا حكم قبل بعثة الرسول) الرسول المراد به الجنس بل بعدها، و هذا بمقتضى الدليلِ، و هو قوله تعالى: (لئلا يكون للناس على اللهِ حجة بعد الرسل) النساء / 165.

و قال تعالى: (كان الناسُ أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتابَ بالحقِّ ليحكمَ بين الناسِ فيما اختلفوا فيه) البقرة / 213.

و قوله: (لا بعدَ حكم شرعي)

معروفٌ أنه بعد الحكم الشرعي يتضحُ الأمرُ، هل هو حلالٌ أم حرامٌ؟

و لعل المؤلف رحمه الله أراد بقوله: (بعد حكم شرعي) بيان الواقع، و أن الأحكام المعتبرة هي الأحكام الشرعية، و أن الأحكامَ التي يثبتُ بها الحلُّ و الحرمةُ و الوجوبُ و الندبُ و الكراهةُ هي الأحكامُ الشرعيةُ.

الفائدة 209

قال رحمه الله:

176 ـ بل ما أحلَّ الشرعُ حلّلناه ... و ما نهانا عنه حرّمناهُ

معناه:

أن ما أحلَّ الله لنا فهو حلالٌ، و ما حرّمه فهو حرامٌ، و لكنّ المؤلفَ رحمه الله يقولُ: ما نهانا عنه، بناءً على أن الأصلَ في النهي التحريمُ.

الفائدة 210

قال رحمه الله:

177ـ و حيث لم نجد دليل حلٍّ ... شرعا تمسّكنا بحكمِ الأصلِ

يعني:

إذا لم نجد دليلَ الحلِّ تمسّكنا بحكم الأصلِ، و هو التحريم، على رأي من يرى أن الأصلَ التحريمُ، أو الحِلُّ على رأيِ من يرى أن الأصلَ الحلُّ.

الفائدة 211

قال المؤلفُ رحمه الله:

178 ـ مستصحبين الأصلَ لا سواه ... و قال قوم ضدَّ ما قلناه

179ـ أي أصلها التحليلُ إلا ما وردْ ... تحريمُها في شرعنا فلا يردّ

قوله: (مستصحبين الأصلَ)

و الأصلُ الذي قدم المؤلفُ رحمه الله هو التحريمُ.

و قوله رحمه الله: (أي أصلها التحليلُ)

هذا القول الذي أشار إليه المؤلف بقوله: (و قال قوم ضد ما قلناه) هو الصحيح أن الأصل في ذلك الحل و هذا بقطع النظر عن الدليل السمعي يدل على الحل لقوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) البقرة: 29.

و على هذا الرأي إذا لم نجدْ دليلَ التحريمِ فماذا تكون الأشياء؟

تكون حلالا.

الفائدة 211

قال المؤلف رحمه الله:

180 ـ و قيل إن الأصلَ فيما ينفعُ ... جوازه و ما يضُرُّ يمنع

و هذا قولٌ مفصّلٌ، أن الأصلَ في النافع أنه حلال و في الضار أنه حرام.

و الحقيقة أن هذا أيضا قولٌ ليس به كبيرُ فائدةٍ، لأن ما يضرُّ سوف يجتنبه الانسانُ بدليل عقله، إذ إن العاقلَ لا يمكنُ أن يرتكبَ ما يضُرُّه، و هو يعلمُ أن يضُرُّه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير