وهل يقال في الحديث أنه دليل على جواز تمكين كل طالب للإمامة أم أنه خاص ببعض الطالبين؟ الجواب عن ذلك أن الحديث لا يدل على جواز تمكين كل طالب للإمامة لأن هذا فعل من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - .... والقاعدة عند العلماء في الأصول: (أن الفعل لا عموم له)، ومن ثم لا يقال بالعموم بل يقال: يدل على الجواز في الأصل وفي حق من هو في مثل حال عثمان بن أبي العاص، ومن ثم فإنه لابد من توفر الشروط المشترطة في النصوص الشرعية في الإمامة.
وفي الحديث دليل على وجوب مراعاة حال أضعف المأمومين في صلاة الجماعة لقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «واقتد بأضعفهم» لأن هذا أمر، والقاعدة في الأصول: (أن الأمر المطلق للوجوب).
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «اقتد بأضعفهم» هذا ما يسمى عند العلماء بالمشاكلة، وعبر عن مراعاة حال الأضعف بالاقتداء لأنهم يقتدون به في الائتمام فناسب أن يستعمل هذا اللفظ مشاكلةً، والحديث يدل على الوجوب لقوله «اقتد» فإنه أمر والقاعدة في الأصول (أن الامر المطلق للوجوب) وفي معناه أحاديث أخر منها حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي ? قال: «إذا أم أحدكم الناس فليخفف» فإنه أمر والقاعدة (أن الأمر المطلق للوجوب) وإن كان لفظ التخفيف هنا ادعي فيه الإجمال من جهة أنه غير متضح الحقيقة والتخفيف من الأمور النسبية التي تختلف باختلاف الإضافة، فقد تكون الصلاة خفيفة عند قوم وليست خفيفة عند آخرين ولكن حديث عثمان هذا فيه إزالة للإجمال الذي قد يظن وجوده في هذا الخبر لأنه رد الأمر إلى اعتبار أضعفهم.
* قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الحديث: «اقتد بأضعفهم» هذا مطلق لأنه فعل في سياق الإثبات فيفيد الإطلاق، والفعل ينحل عن نكرة. وظاهر هذا الخبر أنه يجب الاقتداء بأضعفهم مطلقا ولو أفضى هذا الاقتداء إلى عدم صحة الصلاة كما لو كان الاقتداء بأضعفهم يفضي إلى عدم قراءة الفاتحة ولكن هذا الإطلاق مقيد بالنصوص الشرعية الدالة على ركنية بعض الأفعال في الصلاة كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حديث عبادة بن الصامت في الصحيحين: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» فيحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة.
* في الحديث دليل على تحريم تطويل الصلاة على المأمومين وعدم مراعاة حال أضعفهم لقوله «واقتد» فإنه أمر والقاعدة في الأصول: (أن الأمر بالشيء نهي عن ضده) والقاعدة في الأصول: (أن النهي المطلق للتحريم) وجاء في حديث أبي مسعود البدري في الصحيحين في قصة صلاة معاذ بقومه وفيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غضب عليه، وغضب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على فعل ما قرينة تدل على التحريم كما ذكره غير واحد من الأصوليين.
* وفي الحديث دليل على بطلان صلاة من طول بالمأمومين بحيث أنه لا يراعي حال أضعفهم لقوله «واقتد» فهذا أمر والقاعدة في الأصول: (أن الأمر بالشيء نهي عن ضده) والقاعدة في الأصول: (أن النهي المطلق للتحريم) والقاعدة في الأصول: (أن النهي يقتضي الفساد) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الصحيحين من حديث عائشة: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» مصدر بمعنى اسم المفعول أي مردود على صاحبه غير مقبول منه.
* وفي الحديث وجوب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا، لقوله اتخذ فإنه أمر والقاعدة في الأصول: (أن الأمر المطلق للوجوب).
وظاهر هذا الخبر وجوب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا مطلقا ولو لم يكن فصيحا أو كان يلحن ونحو ذلك فإنه قال «مؤذنا» نكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق لكن هذا المطلق مقيد بالنصوص الشرعية الدالة على اشتراط بعض الشروط، فيحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة.
«اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا» سواء كان الأخذ دفعة واحدة أو على سبيل أقساط شهرية أو نحو ذلك، فإنه قال: «لا يأخذ» وهذا فعل ينحل على نكرة في سياق النفي فتفيد العموم فيشمل أي أخذ.
«لا يأخذ على أذانه أجرا» أي شيء من أفراد أذانه أذان الصبح، وأذان الظهر، وأذان العصر لأنه قال: «أذانه» وهذا مفرد مضاف والقاعدة في الأصول: (أن المفرد المضاف يفيد العموم).
(أجرا) نكرة في سياق النفي تفيد العموم، أي أجر سواء كان قليلا أو كثيرا.
* وفي الحديث دليل على تحريم اتخاذ المؤذن الذي يأخذ على أذانه أجرا لقوله «اتخذ» فإنه أمر والقاعدة في الأصول: (أن الأمر بالشيء نهي عن ضده) والقاعدة في الأصول: (أن النهي المطلق للتحريم).
استدل بالحديث على تحريم أخذ الأجرة على الأذان، وهذا يذكر في كتب الفقهاء وشراح الحديث ولكنهم لا يذكرون وجه الاستدلال .... قوله اتخذ فإنه أمر والقاعدة في الأصول (أن الأمر المطلق للوجوب)، فإذا اتُخذ مؤذن بأجرة فيكون هذا الفعل محرما على المتخذ ومحرما على الآخذ لأن الآخذ معاون له على الإثم والله جل وعلا يقول في كتابه: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وقوله (الإثم) الألف واللام للاستغراق فيشمل إثم اتخاذ المؤذن الذي يأخذ على أذانه أجرا، ولا أعرف أحدا من العلماء ذكر وجه الاستدلال من النص حتى كبار الأئمة الذين يعنون بالاستدلال، حتى ابن حزم رحمه الله اكتفى بذكر هذا الحديث دون بيان وجه الاستدلال. وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية، وخالف في ذلك الحنفية والمالكية فقالوا بجواز ذلك.
هذا ما يتعلق بشرح حديث عثمان بن أبي العاص بن بشر الثقفي الصحابي الجليل الذي أخرجه الخمسة في كتبهم.
والحمد لله رب العالمين.
¥