تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[لطيفة من شذور الذهب لابن هشام رحمه الله]

ـ[أبو المهاجر المصري]ــــــــ[15 - 04 - 06, 03:58 ص]ـ

بسم الله

السلام عليكم

فهذه لطيفة من شذور ابن هشام الأنصاري، رحمه الله، المتوفى سنة 761 هـ، وهو من هو في معرفة لسان العرب، حتى ذكر ابن خلدون، رحمه الله، المتوفى سنة 808 هـ، ذيوع صيته في المغرب، وهو مقيم بمصر، فسارت الركبان إلى المغرب الحبيب بخبر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه، والمقام مقام مدح يغتفر فيه مثل هذه المبالغة، فمن أتى بعد سيبويه، رحمه الله، عالة عليه، في النحو، كما الناس عالة على حبر فارس الجليل أبي حنيفة، رحمه الله، في الفقه.

وهي عن قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، فهي من الآيات التي تطاول بها بعض أعاجم النصارى عندنا في مصر، وساروا بها مشرقين ومغربين للتشكيك في فصاحة القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بزعم: مخالفته لقواعد علم النحو، المستنبط أساسا من القرآن الكريم!!!!!، فجعلوا الفرع أصلا والأصل فرعا، ولا يستغرب هذا من أقوام لا ناقة لهم ولا جمل في علوم العربية، وإذا تكلم المرء في غير فنه أتى بالعجائب.

وحجتهم الباردة: أن الواو في "والصابئون": واو عطف، والمعطوف يتبع المعطوف عليه في حكمه، والمعطوف عليه هنا منصوب لأنه معطوف على اسم إن، وحكمه النصب، كما هو معلوم، والجواب، كما ذكر ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "شذوره":

أنه لا يسلم لمن قال بأن الواو هنا: واو عطف، وإنما هي للاستئناف، كما في قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به)، فالواو في "والراسخون" استئنافية على أصح قولي أهل العلم، والوقف على لفظ الجلالة "الله" أولى، على تفصيل ليس هذا موضعه، وعليه يكون قوله تعالى: (والذين هادوا): مرفوعا على الابتداء، والصابئون: معطوفا عليه، والمعطوف على المرفوع مرفوع، فلا إشكال إذا في رفعه بالواو لأنه جمع مذكر سالم، وبقي معرفة أمرين:

الأمر الأول: خبر "إن"، وهو قوله تعالى: (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، ويكون السياق: إن الذين آمنوا بألسنتهم من آمن منهم، أي بقلبه، بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

والأمر الثاني: وهو الذي نحتاج فيه إلى تقدير محذوف: خبر المبتدأ: "والذين هادوا"، على القول بأنه مرفوع على الابتداء، كما تقدم، فيقال بأن خبره محذوف، وتقديره: كذلك، أي: والذين هادوا والصابئون والنصارى كذلك، من آمن منهم من آمن منهم، أي بقلبه، بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وتكون هذه الجملة في نية التأخير عما في حيز "إن" من اسمها وخبرها، أي أننا نأتي في السياق التقديري للآية بجملة "إن" ومبتدأها وخبرها، كاملة، ثم نعطف عليها جملة: (والذين هادوا والصابئون والنصارى ...................... )، فيكون خبر جملة "إن" المتقدم دالا على خبر الجملة الثانية المتأخر، لذا استغني عن ذكره في الآية وأشير إليه إشارة مقتضبة في التقدير فقيل: والذين هادوا والصابئون والنصارى كذلك، أي كذلك من آمن منهم بالله ................... ، وهذا نوع إيجاز في تقدير الخبر المحذوف، كما تقول: محمد كريم وشهم وشجاع وعالم وأديب وشاعر و .......... ، ثم تريد أن تعطف عليه "زيدا"، فبدلا من قولك: وزيد كريم وشهم و ........... فتعيد ما ذكرته أولا، بدلا من هذا السياق المطول يمكنك أن تعطف زيدا على محمد، فيفهم السامع اشتراكهما في هذه الصفات أو تشير إلى هذه الصفات إشارة مقتضبة فتقول: وزيد كذلك، اكتفاء بالقيد الأول في الكلام، لأن العرب تستحسن الاكتفاء بقيد واحد في الكلام إن أغنى السياق عن تكراره، وشاهده من كلامهم قول الشاعر:

نحن بما عندنا، وأنت بما ******* عندك راض، والرأي مختلف

فاكتفى بقيد واحد في نهاية السياق، وتقدير الكلام: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض، وهذا من مواضع حذف الخبر جوازا، فـ: "راضون"، المقدر خبر المبتدأ: "نحن".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير