[بحث: (تبت يدا أبي لهب)، لماذا كناه؟]
ـ[حارث همام]ــــــــ[14 - 08 - 06, 03:05 م]ـ
هذا بحث مقتضب كتبته قديماً وعثرت عليه اليوم قدراً فقلت أثبته قبل أن يضيع مرة أخرى!
(تبت يدا أبي لهب)، لماذا كناه؟
قال ابن الجواليقي في شرح أدب الكاتب:"يقال كنوت عن الشيء إذا تكلمت بما يدل عليه، وكنيت الرجل سميته باسم ابنه توقيراً له عن ذكر اسمه وتعظيماً".
وليس من شرط ذلك أن يكون له ولد وإن كان ذلك منه قال الصفدي: "العلم الدال على شخص معين إذا كان مصدراً بأب كأبي بكر وأبي حفص، أو بأم كأم كلثوم وأم المؤمنين فهو الكنية" وهو نحو ما ذكر القلقشندي في صبح الأعشى.
وإذا كان الأمر كذلك من حيث الأصل فلماذا ذكر عبدالعزى في الآية بكنيته فقال: (تبت يدا أبي لهب وتب)؟
قال الزمخشري:
"فإن قلت: لم كناه، والتكنية تكرمة؟
قلت: فيه ثلاثة أوجه.
أحدها: أن يكون مشتهراً بالكنية دون الاسم، فقد يكون الرجل معروفاً بأحدهما، ولذلك تجري الكنية على الاسم، أو الاسم على الكنية عطف بيان، فلما أريد تشهيره بدعوة السوء، وأن تبقى سمة له، ذكر الأشهر من علميه ويؤيد ذلك قراءة من قرأ «يدا أبو لهب»، كما قيل: علي بن أبو طالب. ومعاوية بن أبو سفيان؛ لئلا يغير منه شيء فيشكل على السامع، ولفليتة بن قاسم أمير مكة ابنان، أحدهما: عبد الله - بالجرّ، والآخر عبد الله بالنصب. كان بمكة رجل يقال له: عبد الله - بجرّة الدال، لا يعرف إلاّ هكذا.
والثاني: أنه كان اسمه عبد العزّى، فعدّل عنه إلى كنيته.
والثالث: أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب، وافقت حاله كنيته؛ فكان جديراً بأن يذكر بها. ويقال: أبو لهب، كما يقال: أبو الشر للشرير. وأبو الخير للخير، وكما كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المهلب: أبا صفرة، بصفرة في وجهه. وقيل: كنى بذلك لتهلب وجنتيه وإشراقهما، فيجوز أن يذكر بذلك تهكماً به، وبافتخاره بذلك" أهـ المراد.
وقد ذكر النووي في الأذكار باب: جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لايعرف إلاّ بها أو خيف من ذكره باسمه فتنة، واستدل له بالآثار الثابتة الصحيحة ومن قبلها الآية.
قال أبو حيان بعد أن ذكر نحوا من الزمخشري مضيفاً سبباً آخرا: "أو لأن الاسم أشرف من الكنية، فعدل إلى الأنقص؛ ولذلك ذكر الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم ولم يكنّ أحداً منهم"، وقد ذكره من قبله القرطبي، ومن قبله ابن العربي.
فعكسوا بهذا الوجه ما خرج لأجله الزمخشري ذكر التكنية وهي تكرمة.
وقد أشار ابن عادل إلى قول أبي حيان ثم ذكر قول الزمخشري، وعلق قائلاً: "وهذا يقتضي أن الكنية أشرف، وأكمل لا أنقص، وهو عكس القول الذي تقدم آنفاً"، ولم يمل إلى شيء.
وأما الحافظ ابن حجر فذهب مذهباً قريباً من أبي حيان ومن تقدمه، فقال: "ويمكن جواب آخر وهو أن التكنية لا تدل بمجردها على التعظيم، بل قد يكون الاسم أشرف من الكنية، ولهذا ذكر الله الأنبياء بأسمائهم دون كناهم"، فلم يرجح هذا على هذا وإنما قد وقد. وعلى هذا فهو كالاسم قال اليوسي في المحاضرات: "الاسم العلم ثلاثة: اسم وكنية ولقب. أما الاسم فهو من حيث هو ما أريد به من تعيين المسمى لا يعطى مدحاً ولا ذماً، لصلاحية كل اسم لكل مسمى عند المحققين، ولكن إذا كان منقولاً فكثيراً ما يلاحظ فيه زيادة على تعيين المسمى مدلوله الأول الحقيقي أو المجازي فيشعر بمقتضاه إشعاراً".
وقد قال ابن القيم في تحفة المولود: "الفصل السادس في الفرق بين الاسم والكنية واللقب: هذه الثلاثة وإن اشتركت في تعريف المدعو بها فأنها تفترق في أمر آخر وهو أن الاسم إما أن يفهم مدحا أو ذما أو لا يفهم واحد منهما فإن أفهم ذلك فهو اللقب وغالب استعماله في الذم ... وإما أن لا يفهم مدحا ولا ذما، فإن صدر بأب وأم فهو الكنية، كأبي فلان وأم فلان، وإن لم يصدر بذلك فهو الاسم، كزيد وعمرو وهذا هو الذي كانت تعرفه العرب وعليه مدار مخاطباتهم، وأما فلان الدين، وعز الدين، وعز الدولة، وبهاء الدولة، فإنهم لم يكونوا يعرفون ذلك وإنما أتى هذا من قبل العجم". أهـ وقد يبدو هذا قريباً من قول ابن حجر الآنف، وهو كذلك لو لا أنه قال قبلها: "والتكنية نوع تكثير وتفخيم للمكنى وإكرام له كما قال:
أكنيه حين أناديه لأكرمه * ولا ألقبه والسوأة اللقب".
¥