وقد وُضِعَتْ علامات الإعراب لتُعْرِب عن المعاني التي تدور في النفس،، وكان ذلك في فترة زمنية متأخرة، عندما اتخذ أبو الأسود الدؤلي كاتباً من بني عبد القيس (7)، وأمره أن يضع علامات تدل على الملفوظ من الكلام، ثم وُضعت بعد ذلك العلامات المعروفة؛ وهي الفتحة،والضمة،والكسرة، والسكون، وفقاً لحركة الفم وسكونه.
فالمعنى الذي يدور في نفس المتكلم يأتي أولاً، ثم يليه التعبير عنه بالكلام الملفوظ، ثم الدلالة عليه في الخط المكتوب بالعلامات الدالة عليه.
وقيل: إن الدائرة الصغيرة قد اختيرت لتدل على السكون والجزم؛ لأنها مأخوذة من ميم " جزم ". وقيل: اتُخِذ رمز الدائرة الصغيرة - وهو رمز الصفر في حساب الهنود، الذي يدل على خلو المرتبة - ليدلّ على خلو الحرف من الحركة (8).
ولعل السبب في أن الحروف أصلها السكون؛ لأنّ الحرف ليس له معنى بمفرده، ولا يكون له معنى إلاّ مع غيره، فحروف الهجاء تدب فيها الحركة إذا ائتلفت مع الحروف الأخرى في الكلمة، وتتغير حركاتها بتغيّر المعاني التي تدلّ عليها، ويسكن ما يسكن منها - بعد ائتلافها - منعاً لتوالي الحركات.
والجزم من خصائص الأفعال، والأفعال التي يلحقها السكون هي: فعل الأمر، والفعل المضارع إذا سبق بجازم، أو إذا وقع جواباً للطلب، وسيتضح ذلك فيما يلي.
جزم الفعل المضارع: (9)
يجزم الفعل المضارع في موضعين:
أولهما: إذا سبق بأداة من الأدوات التي تجزم المضارع، وهي نوعان:
الأول - أدوات تجزم فعلاً واحداً، وهي أربعة أحرف: اللام الطلبية، و " لا " الطلبية، و"لم"، و" لمّا ".
الثاني - أدوات تجزم فعلين: أحدهما فعل الشرط، والآخر:جواب الشرط؛ وهي إحدى عشْرةَ أداةً: "إنْ - إِذْمَا - مَنْ - مَا - مَهْمَا – مَتَى - أيَّانَ - أيْنَ - أنَّى - حَيْثُمَا - أيّ ".
وثاني الموضعين: إذا وقع جواباً للطلب. وهو موضوع هذا البحث.
جزم المضارع في جواب الطلب
يجوز جزم الفعل المضارع الواقع في جواب الطلب إذا سقطت الفاء، بشرط أنْ يقصد الجزاء.
والمقصود بوقوع الفعل المضارع جواباً للطلب؛ هو أنْ يكون مترتباً على كلام قبله ترتب الجواب على السؤال.
والمراد بقصد الجزاء؛ هو تقدير الفعل " مسبباً عن ذلك الطلب المتقدم، كما أن جواب الشرط
مسبب عن فعل
يتبع فى المشاركة القادمة
ـ[ابوخالد الحنبلى]ــــــــ[27 - 10 - 06, 07:11 م]ـ
الشرط " (10).
فمثال جزم المضارع بعد الأمر: " ايتني أكرمْك ".
وبعد الدعاء: ربِّ وفقْني أطعْك ".
وبعد التمني: " ليت لي مالاً أنفقْه ".
وبعد الترجّي: لعلّك تتصدقُ تؤجرْ "
وبعد الاستفهام: " أين بيتك أزرْك؟ ".
وبعد العَرْض: " ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً ".
وبعد التّحْضِيض: " هلاّ تزورُنا نكرمْك "
وبعد النّهْي " لا تكفرْ تدخلْ الجنة ".
جزم ما جاء بمعنى الأمر:
كل ما دلّ على معنى الأمر - وإن لم يكن بصيغة فعل الأمر المخصوصة - يجوز عند الجمهور أن يُجزم بعده المضارع إذا خلا من الفاء، وقصد معنى الجزاء؛ لأن علة الجزم تكمن في المعنى لا في اللفظ، فما جاز فيما جاء بصريح اللفظ في الأمر وغيره، جاز فيما جاء بمعناه (11).
فمما جاء على معنى الأمر (12):
1 - اسم الفعل:
وذلك نحو: " نزالِ أكرمْك "، و " مناعِ زيداً من الشرِّ تؤجرْ "،
و "تراكِ زيداً يخرجْ"، و "عليك زيداً أكرمْك "، و" دونك عمراً أحسنْ إليك ".
وأيضاً: " صَهْ أكلمْك "، و " مَهْ تُكْرَمْ "، و " رُوَيدَك أحسنْ إليكَ "؛ ومنه قول الشاعر (13):
رُوَيْدَ تَصَاهَلْ بالعِرَاقِ جيادُنا كأنّك بالضَّحَّاكِ قَدْ قَامَ نَادِبُه
ومنه قول الشاعر أيضاً (14):
وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وَجَاشَتْ مَكَانَكِ تُحْمَدِي أو تَسْتَرِيحِي.
فجزم في البيت الأول " تَصاهلْ " في جواب اسم الفعل " رُوَيْد "؛ لأنه بمعنى "تمهّلْ ". وجزم في البيت الثاني " تُحمدي " في جواب اسم الفعل " مكانَكِ "؛ لأنه بمعنى " اثبتي ". وكل ما أشبه هذا من أسماء الأفعال يجري مجراه.
2 - ما جاء بلفظ الخبر:
¥