تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنه: " قُمْ يدعوك " (126) الأمير؛ أي: قُمْ إنَّه يدعوك؛ فالرفع على الاستئناف فيه أقوى من الجزم على الجواب؛ ذلك لأنَّه لم يُرِدْ أنْ يجعل الدعاء بعد القيام، ويكون القيام سبباً له، وإنَّما أراد: قُمْ؛ لأنَّ الأميرَ يدعوك، فالدُّعاء سابق للقيام،لا مسبباً عنه. وإنْ أراد معنى: قُمْ إنْ قُمْتَ يدعُك الأمير، فيكون الدعاء مسبباً عن القيام، فيقوى فيه عندئذٍ معنى الجزم جواباً للطلب المتقدم.

ومن الأفعال المضارعة الواقعة بعد الطلب ما حُمل على الصفة، أو على الاستئناف، ويُلمح فيه معنى التعليل؛ من ذلك قول الحق تبارك وتعالى: ? خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ... ? (127)، " تُطهرُهم " صفة للصدقة إنْ كان ضمير الفاعل يعود على الصدقة؛ أي: صدقةٌ مطهرةٌ ومزكيةٌ لهم، ويُبعده قوله " بها ".

وإنْ كان ضمير الفاعل يعود على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو المخاطب في هذه الآية فـ" تُطهرهم " حال من الفاعل؛ أي: مطهِّراً ومزكِّياً لهم بها؛ أي بالصدقة. والحمل على القطع والاستئناف فيه حلٌّ لهذا الإشكال؛ أي: أنت تُطهرهم وتُزكيهم بها، وقريب منه معنى التعليل؛ أي: لتطهِّرَهم وتزكِّيَهم بها، والله أعلم. وقيل: " لو قُرِئ بالجزم لم يمتنع في القياس" (128).

وممَّا هو بسبيله، قوله تعالى: ? .. فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي .. ? (129) - في قراءة الرفع - وقرأ الكسائيُّ، وأبو عمرو بالجزم (130)، وقال بعض العلماء: والرفع هنا أحسن من الجزم؛ وذلك من جهة المعنى والإعراب؛ أما المعنى فلأنه إذا رفع فقد سأل وليًّا وارثًا؛ لأنَّ من الأولياء من لا يرث، وإذا جزم كان المعنى: إنْ وهبته لي ورثني، فكيف يُخبر الله سبحانه بما هو أعلم به منه (131)، وهذه الحجّة في ترجيح الرفع على الجزم - وإن كان الرفع هو الراجح - ليست بالحجة القوية؛ فقد جاء في الكتاب العزيز على لسان نوح عليه السلام: ? وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُوا عِبَادَكَ وَ لاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا ? (132)، فكيف أخبر الله سبحانه وتعالى بما هو أعلم به منه؟!

وفي هذه الآية الكريمة نلحظ معنى التعليل وبيان السبب الذي من أجله طلب زكريا - عليه السلام - من ربِّه أنْ يهبَ له الولد؛ فهو لم يُرِدْ أنْ يشترط على ربِّه إنْ وهبتني ولداً ورثني؛ فمعلوم أنَّ الأولاد ترث آباءها،كما لم يُرِدْ - أيضاً - أنْ يصفه لمجرد الوصف في حدِّ ذاته، وإلا لوصفه بأوصافٍ أخرى حسنة أفضل من الوراثة يتمنَّاها كلُّ والد في ولده، وإنَّما حدّد فعلاً معيناً ينبئ عن الغرض الذي من أجله طلب الولد، فهو يُريد ولداً ليرث عنه العلم والحكمة فكأنَّه قال: فهب لي من لدنك وليّاً ليرثني؛ فالتعليل وبيان السبب واضح في هذه الآية.

فإذا اطمأننا إلى معنى التعليل فتسويغ الرفع يسير؛ فعندما سقطت اللام ارتفع الفعل، قال الحافظ ابن كثير: " سأل الله ولداً يكون نبيّاً بعده، ليسوسهم بنبوَّته" (133)، فوجود لام التعليل " ليسوسهم " يؤكد معنى التعليل.

ومثله في الدلالة على معنى التعليل قوله تعالى: ? وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّيِ لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ? (134)، أي: أرسلْه معي معيناً ليصدِّقني، ويحتمل الحال والاستئناف أيضاً (135).

ومثله في القرآن كثيرٌ (136) ممَّا يترجَّح فيه معنًى على المعاني الأخرى، يحتاج إلى دراسةٍ أعمق لمعاني القرآن الكريم، فالدراسات حول القرآن الكريم لا ينضب معينها ولا يأسن.

والحمد لله الذي بفضله تتمُّ الصالحات.

* * *

نتائج البحث

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير