تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولعلَّ من أبرز مظاهرها الحُداء، الذي كانت تُساق به الإبل، فإذا ما أسرع الحادي أسرعت الإبل، وإذا أَبْطَأ أَبْطَأَتْ، ومنه الحديثُ المشهور: ((ارْفُقْ - يَا أَنْجَشَةُ، وَيْحَكَ - بِالْقَوَارِيرِ)) [9] ( http://www.alukah.net/articles/1/3386.aspx#_ftn9)، يريد أن يبطئ وقع الحُداء؛ لتبطئ الإبل وقع المسير.

ومن نحو هذا ما يُرْوَى عنِ النابغة، حين أَقْوَى في شِعْره، فلم ينبهه على ذلك إلا تَغَنِّي الجواري، ومَدُّهن الصوت بحركة حرف الرَّوِيِّ، وهو الدال في قوله:

زَعَمَ البَوَارِحُ أنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الغُرَابُ الأَسْوَدُ

لاَ مَرْحَبًا بِغَدٍ وَلاَ أَهْلاً بِهِ إِنْ كَانَ تَفْرِيقُ الأَحِبَّةِ فِي غَدِ

ولأهمية عنصر الموسيقى في الشِّعر قيل: الشِّعر موسيقى، وقال النُّقَّاد عن البُحتري: أرادَ أن يُشْعِرَ فغنَّى، ولا أدلّ على ذلكَ أيضًا من كتاب "الأغاني"، الذي رمى منه مصنفه إلى جمع أشهر أغاني عصره، فجاء سِجِلاًّ ضَخْمًا لأشعار العرب وأخبار الشعراء والمغنِّين على حدٍّ سواء.

ومِن ثمَّ؛ كان العَرُوضُ علمَ إرهاف الآذان، وإتقانِ الألحان، يَتَطَلّب أول ما يَتَطَلّب ذَوْقًا سليمًا، وأُذُنًا مرهفةً، تُمَيِّزُ الإيقاع الصحيح منَ الإيقاع المُخْتل، والنَّغَم المنضبط منَ النغم النَّشَاز.

من أجل هذا كله؛ لا بد منَ العودة إلى هذينِ العُنصرينِ في معرفة العَرُوض، وهما: النَّغَم والإيقاع، ويمكننا الإفادة منهما على النحو الآتي:

1 - النَّغَم (اللَّحن):

ولا أعني به مطلق النغم؛ وإنما المُرَاد طريقة أداء الأغنية، أو النَّشيد، أو تلحينها وغناؤها، وكنت مستطيعًا - كما قال العَلاَّمة الرَّاحل محمود شاكر -: "أن أهزِل باسم الغناء والنغم، فأستولج في كلامي ألفاظًا للتغرير والإثارة، فأقول: (السِّمْفُني)، و (الهَرْمُنِي)، وكُروبًا وراء ذلك كثيرًا؛ ولكني آثرتُ أن أدع الأمر حيث هو من القُرْب ... " [10] ( http://www.alukah.net/articles/1/3386.aspx#_ftn10)، وأنا أوثر ما آثر الشيخ - رحمه الله - فأقول: كلُّ بحرٍ من بحور الشعر يمكن أن ينطبقَ على أغنية محفوظة أو أكثر، أو بعبارة أخرى: يمكن أن يُغَنَّى ويُنْشد كما تُغنَّى تلك الأغنية، أو ينشد ذلك النشيد، فتكون هذه الأغنية، أو النشيد بمنزلة المِفْتاح لهذا البحر، فإذا ما حاولَ الطالب أداء بيت منَ الشِّعْرِ ينتمي إلى هذا البحر، على لحن تلك الأغنية طاوَعَهُ اللَّحْنُ، وانْقاد له الغناء، وإذا ما حاول أداءَ بيت آخرَ، لا ينتمي إلى هذا البحر، على لحن تلك الأغنية تأبَّى عليه اللحن، ولم يَنْقَدْ له الغناء، ومن ثَمَّ؛ يكون قادرًا على أن يَحْكُمَ على ذلك البيت، الذي انقاد له فيه الغناء: بأنه ينتمي إلى ذلك البحر، الذي تنطبق عليه الأغنية، وأمَّا ذلك الذي لم ينقد له الغناء فيه، بتلك الأغنية، فإنه يبحث له عن أغنية أخرى؛ لكي يصل إلى تحديد بحره، ولنأخذ مثالاً على ذلك البحر المتدارك:

مُتَدَارِكُنَا نَغَمٌ عَجِلٌ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ

فهو ينطبق على لحن قصيدة الحصري القيرواني:

يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ

حَيْرَانُ القَلْبِ مُعَذَّبُهُ مَقْرُوحُ الجَفْنِ مُسَهَّدُهُ

وينطبق كذلك على قصيدة شوقي، التي عارض بها قصيدة القيرواني:

مُضْنَاكَ جفاهُ مَرْقَدُه وَبَكَاهُ ورحَّمَ عُوَّدُهُ

وينطبق على قصيدة:

يَا صَاحِ الصَّبْرَ وَهِي مِنِّي وَشَقِيقُ الرُّوحِ نَأَى عَنِّي

فإذا ما حاولنا تأدية أي بيت ينتمي إلى البحر المتدارك، وفق ألحان هذه الأغاني، طاوعنا الأداء وانقاد لنا اللحن، فدلَّ ذلك على صحة انتماء هذا البيت إلى البحر المتدارك، في حين لا يصحُّ ذلك في أي بيت، لا ينتمي إلى البحر المتدارك، وسنطبِّق ذلك على المثالين التاليين فننشدهما وَفْقَ الألحان السابقة:

الأول لناصح الدين الأرّجاني:

سِرْبٌ قَدْ عَنَّ بِذِي سَلَمٍ وَغَدَا بِفُؤَادِي أَغْيدُهُ

والثاني لشوقي:

النِّيلُ العَذْبُ هُوَ الكَوْثَرْ وَالجَنَّةُ شَاطِئُهُ الأَخْضَرْ

2 - الإيقاع:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير