تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

.. فإذا رجعنا إلى معنى "علجوم" فى كتب اللغة، وجدنا فى القاموس، مثلا،: "الضفدع الذكر، والقراد، والظبى الآدم، والظليم، والكبش، والوَعْل، والثور المسِنّ، والبطة الذكر، وطائر أبيض، والماء الغمر الكثير". ويأخذ الوسيط بعض هذه المعانى ويزيد عليها:" الأتان الكثيرة اللحم". ولا يورد الدَّميرى "العلجوم" فى موسوعته، ولكنه يذكر فى مُدخل "ضفدِع " أن العلجوم هو ذكر الضفدِع. ويبدو أن هذا هو أشهر المعانى، وهو المعنى الأول فى القائمة الطويلة التى أوردها القاموس، فهو اختيار له ما يبرره.

... أما ترجمة toads بعلاجيم، فالذى ابتدعها هو المعلوف، فى معجمه القَيِّم، حيث يقول إن معنى العلجوم الضفدِعَ الذكر، ولكنه يضيف (ص:109):"… وأرى أن العلجوم حيوان آخر من الرتبة نفسها". (وموضع التساؤل ليس حيوانا واحدا). ويوضح فى موضع آخر: (ص:41) وجهة نظره قائلا:"… ولاشبهة أنهم أرادوا فى قولهم الضفِدعَ الذكرَ أنه جنس من الضفادع الكبار لا أنه الذكر بالمعنى المفهوم. وهذا الاستعمال كثير عندهم". وأرى أن المعلوف قد جانبه التوفيق فى هذا التخريج. فليس كل حيوانات المجموعة الثانية ( toads) أكبرَ أحجاما من حيوانات المجموعة الأولى، ثم إن الضفادع من الحيوانات التى تتميز ذكورها من إناثها تميزا واضحا، فهى التى تنق دون الإناث، فضلا على بعض الفروق فى الشكل. (وكذلك الحال فى البط، فذكوره فى معظم الأنواع أجمل وأبهى ريشا من إناثه، وإلا لزم أن نقول - على هذا القياس - إن العلجوم هو نوع أو جنس معين من البط أيضا). فواضح أن العلجوم اسم للذكر، كالديك والثور والكبش، ونحوها.

وقد فكرت فى الأمر منذ سنين، فلم أجد مندوحة من تعريب toads إلى "تودات". وهكذا يكون عندنا ضفادع وتودات، فلسنا أقل فطنة ودقة من الذين يفرقون بين هاتين المجموعتين فى اللغات الأخرى. وقد أعلنت هذا فى عملين باكرين (فى الموسوعة الذهبية:63/ 1964، وفى موسوعة الأهرام:1964). والذى يؤيد هذا المنحى أن لفظ toad فى الانجليزية اسم جامد من اللغة الانجليزية القديمة، وليس له معنى يترجم. وليس تعريب الأسماء فى عالم الحيوان بغريب، فأسلافنا قد أدخلوا، مثلا: الأخطبوط، الإسقَمرى، الأنكليس، البلبل، الجرِّى، السقنقور، القريدس، والقندس.

وهذه التفرقة بين الضفادع والتودات واجبة فى الكتابات العلمية، على وجه الخصوص. أما فى الحديث العادى فيمكن استعمال لفظ "ضفدع" و"ضفادع"للإشارة للبرَّمائيات البتراوات، بصفة عامة. وشبيه بهذا قَدَرُنا فى ترجمة مجموعتى حرشفية الأجنحة: الفراشِ وأبى دقيق، ففى كلامنا المعتاد، ونثرنا، وشعرنا، لا نتحدث إلا عن الفراشات. بل حتى فى الأسماء العلمية التى لا يقصد فيها التفرقة بين المجموعتين، نستعمل لفظ "الفراش" أيضا لترجمتنا لاسم butterfly fishes إلى الأسماك الفراشية، دون حرج.

وعكس ما ذكرناه بشأن التُّودات، حدث عند ترجمة لفظ " skunks" التى تدل على أنواع من اللواحم الأمريكية لها غدتان عند قاعدة الذيل، تنقبض العضلات المحيطة بهما، إذا أثير الحيوان، قاذفةً إفرازها السائل رذاذاً دقيقا له رائحة خانقة كريهة لا تطاق، تقزر النفس وتثير الغثيان، كما أن له فعلا كاويا قد يصيب العينين بعمى مؤقت. ويحرص الحيوان على ألا يعلق بجسمه من هذا الإفراز شئ، ويمضى "طاهر الذيل" بعد أن يفعل فَعلته النكراء. وهذه الأنواع تشبه أنواعا أخرى مماثلة فى العالم القديم، منها ما يعرف فى مصر والسودان بأبى عفن وأبى المَنْتَنْ (مع أنه لا ينفرد بهذه الوصمة)، وفى بلاد العرب باسم الظَّرِبان (عبد الحافظ حلمى محمد،1965)، ويعرِّفه الدَّميرى بأنه "دويْبَّة فوق جرو الكلب، منتنة الريح، كثيرة الفسو"! وهكذا كان من الطبيعى أن يسمى المعلوف الـ" skunks الظرابىَّ الأمريكية " (معجم الحيوان، ص:231). وكذلك نلجأ أحيانا إلى ترجمة معانى الألفاظ الأجنبية إلى اللغة العربية، كما فعلنا فى ترجمتنا للأسماء: puffbirds إلى الطيور المنتفشة، و hornbills إلى قرنية المناقير، button quails إلى السُّمانى الزِّرِّيَّة، و caecilians إلى العمياوات، و frogfish إلى الأسماك الضفدِعية، و toadfish إلى الأسماك التوُّدية، وهكذا.

والحذرَ الحذر من الأخطاء الشائعة عند وضع المقابلات العربية لأسماء الحيوان الأجنبية. فمن ذلك ترجمة tiger إلى "نمر"، وصحته: "الببر" ومن ذلك أيضا ترجمة swans إلى بجع، كما يحدث فى ترجمة الباليه المشهور Swan Lake إلى "بحيرة البجع". وانتقل هذا الخطأ إلى الفلاسفة والمناطقة فى مثالهم المشهور: كل البجع أبيض، بل إنه تسرب إلى بعض معاجمنا، فهى تورد مقابل لفظ "بجع" وصفا ورسما لطائر آخر هو التِّمُّ (المشهور فى مصر أيضا بالوَزِّ العراقى) وهو الذى يسمّى بالإنجليزية swan ، أما البجع فمقابله بالإنجليزية هو pelicans، وقد برئ المعجم الكبير من هذا الخطأ الشائع فأورد أمام لفظ "بجع" الوصف والرسم الصحيحين لهذه الطيور التى تُعرف أيضا باسم "الحوصل" أو "جمل الماء". وبهذه المناسبة، من مآثر المعجم الكبير أيضا إثباته للأسماء العلمية لأنواع النبات والحيوان وأجناسهما وفصائلهما، أيضا.

وبعدُ .. أيها العلماء الأجلاء

لا أزعم أننى قد شفيت الغليل فى هذا

الموضوع المتشعب الطويل، وكان قُصارى جُهدى أن أعرض عليكم - فى حدود الوقت الضيق المتاح للإعداد والإلقاء - بعض ما عَرَض لى منه فى أثناء عملى المتواضع فى الترجمة أو التحقيق، وقد يكون لنا إليه عود، إن شاء الله. وإنما يكفينى أننى بثثتكم بعض ما نكابده فى هذا الباب من عناء يعذبنا ونستعذبه، فى سبيل خدمة لغتنا الشريفة، وإرساء قواعدِ نهضة علمية عربية شاملة.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير