بس فقط عندي إشكال وهو أن مرحلة مقابلة الرموز المحصل عليها بمفتاح البحر الشعري , كيف يتعامل معها المبتدئ؟ هل يأتي بمفاتيح باختيارها عشوائيا ويجربها على الرموز هل هي توافقها أم لا؟ أم ماذا يفعل؟ لأنكم تفضلتم أن معرفة البحر لا تحصل إلا بعد الانتهاء من دراسة البحور الشعرية كلها
الحقيقة أنا لم أفهم كيف يصل المبتدئ إلى دراسة البحور وهو لم يتعامل بعد مع التقطيعات التي تدله على البحور؟ وإذا لم يدرس البحور فكيف يقضي لأول مرة عند ما يرى الرموز المحصل عليها أنها يناسبها المفتاح الفلاني أو غيره؟
والله النقطة هذه أشكلت علي كثيرا فيا ليت لو تتكرمون ببسط عرض هذه الفقرة بأسهل من هذا وكأنكم تتعاملون مع حديث عهد بهذا الفن , وجزاكم الله خيرا واستمروا في تعميم النفع والإفادة ودمتم سالمين (والله متابع بكل شوق ورغبة)
بارك الله فيكم
هنا مرحلتان منهجيتان لا بد من حصول الترتيب بينهما، ومن قفز إلى الثانية قبل أن يتقن الأولى لم يحصل على طائل.
المرحلة الأولى: أن يتقن الطالب فن التقطيع، ويتعرف على البحور الخليلية كلها.
والطريقة في ذلك أن يعمد إلى كتاب من الكتب الميسرة في هذا الفن، ويمارس تقطيع الأمثلة التي يعرضها صاحب الكتاب. فإذا رأى المؤلف يمثل للطويل بقول امرئ القيس (قفا نبك .. ) مثلا، فإنه يعمد إلى القصيدة كلها فيقطعها ويعرضها على مفتاح الطويل، وهكذا.
ويمكن أن يستعين بعمل بعض المحققين لكتب اللغة والأدب الذين يعتنون بذكر البحر، عند تخريج البيت الشعري. (مثلا: تحقيقات عبد السلام هارون وإحسان عباس الخ).
والغاية من هذه المرحلة أن يصل الطالب إلى التقطيع والمقابلة مع المفتاح بيسر وسرعة، وبطريقة ذهنية، دون الحاجة إلى استعمال الورقة والقلم.
المرحلة الثانية: التعرف على البحر.
وهذه المرحلة أسهل شيء لمن أتقن المرحلة الأولى، وأصعب شيء لمن لم يتقنها.
وأعطيك مثالا به يتضح المعنى:
قال المتنبي:
أمُعَفرَ الليث الهزبر بسوطه = لمن ادخرت الصارم المصقولا
حين أقرأ (أمعفْ) - وهي فاصلة صغرى - أجزم بأن البيت ليس من الطويل ولا من الوافر ولا من الهزج ولا من المتقارب ولا من المضارع لأنها كلها تبدأ بوتد مجموع.
وليس من البسيط ولا من الرجز ولا من السريع ولا من المنسرح ولا من المقتضب ولا من المجتث لأنها كلها تبدأ بسبب خفيف (مستفعلن أو مفعلات) أو وتد مجموع (بعد الخبن).
ما الذي بقي من البحور؟
بقي الكامل (متفاعلن) والمديد والرمل والخفيف (فعلاتن = فاعلاتن بعد خبنها).
نزيد حروفا أخرى: (فِرَ) فنجزم حينئذ أن التفعيلة ليست فعلاتن، لأن الحرفين متحركان، فلا يوافقان (تنْ) التي في فعلاتن، وإنما يوافقان (علُ) التي في متفاعلن.
إذن نجزم أن البيت من البحر الكامل، ونحن لم نتجاوز الكلمة الأولى من البيت!
وما بقي إلا أن نقطع بقية البيت على الكامل لنتأكد من صحة ما توصلنا إليه، ولنعرف العروض والضرب.
فالطريقة سهلة، ولكنها تعتمد على معرفة جيدة بالبحور.
ثم هنالك قواعد أخرى في غاية الأهمية، تقلل دائرة الاحتمالات جدا – أذكر منها قاعدتين:
1 - بعض البحور نادرة الاستعمال جدا: المضارع والمقتضب (منعدمان تقريبا) ثم المجتث والمديد والمحدث. فيمكن للطالب أن يغفل هذه الخمسة في تسعين بالمائة من حالات التقطيع والمقابلة. ولا يبقى له إلا أحد عشر بحرا، ثلاثة منها (هي الطويل والبسيط والكامل) أكثر استعمالا من غيرها.
2 - ''أحجام'' البحور متفاوتة، ولذلك فالبيت المذكور سابقا – وهو طويل نسبيا - يستحيل أن يكون من الهزج أو المضارع أو المقتضب أو المجتث لأنها بحور قصيرة (تفعيلتان في الشطر).
قارن حجم هذين الشطرين ليظهر لك الفرق:
(لها تسع دجاجات) من الهزج
و (تسعون ألفا كآساد الشرى نضجت) من البسيط.
وأغلب الطلبة المبتدئين في هذا الفن، يود أن يتعرف على البحور من أول وهلة، وعند أول درس. وهذا الاستعجال من آفات العلم.
والله أعلم.