" .... ثم يأتي بعد قليل (الكسائي)، ويلقي إليك المسألة الزنبورية ويقول: "كيف تقول: قد كنت أظن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي؟! أو فإذا هو إياها", فتجيبه أنت: "هو هي ولا يجوز النصب", فيقول لك الكسائي: "لحنت, العرب ترفع ذلك وتنصبه"، ويشتد الجدال بينكما، وينقذ الموقف بعض الحاضرين محكما أعراب الحطمة الذين حضروا بباب الخليفة, وهم أعراب تركوا باديتهم منذ زمن ونزلوا ببغداد فأصاب فصاحتهم بعض الوهن، وقد كانوا يعرفون الكسائي وأين هو من الخليفة, وسواء أكانوا جميعا عليك أم كان بعضهم معك, فقد انتهى مجلس الخليفة أو مجلس يحي بن خالد على أنك المهزوم، وما أنت بالمهزوم. ولك في القرآن الكريم أعظم حجة فقد اطّرد فيه الرفع على الابتداء والخبر في مثل هذا الأسلوب: {فَإِذَا} , {فَإِذَا} , ولكن الناس زلفى إلى من له صلة بالحكام.
لقد ضاقت بك الحياة في بغداد ولكن لماذا لم تعد إلى البصرة يا سيبويه؟ أستحييت من أهلها؟؟ أم تُراك فارقتها منذ البداية على ألا تعود؟! واكتفيت إذ بلغت بك السفينة الشاطيء أن وجهت في طلب تلميذك الأخفش وخليفتك على حلقة النحو في البصرة، لتخبره الخبر ثم تمضي لطيتك. على أيّ شاطئ رست بك السفينة يا أبا بشر؟! وإلى أين تقاذفتك الدروب؟ لقد آن للغريب النازح أن يؤوب, ولهذا المسافر اللاغب أن ينيب, ولهذه الموجة القلقة أن تستقر على شاطيء، لم يذكر التاريخ على التحقيق أين ذهبت وعلى أي شاطئ رسوت.
ولكن الظن كل الظن أن القرية البيضاء التي احتضنت طفولتك عادت تعانق كهولتك.
لقد انتهت مهمتك في الحياة حين انتهيت من تأليف الكتاب, وكأنما تبحث عن الموت فوق ثراها الذي أطعمك وأسقاك، وبين أحضان أهلك وذويك غير أن الموت كان يقول: "صبراً صبراً قليلاً يا سيبويه .. ".
ويمر عام أو عامان أو أقل من ذلك أو أكثر فيأتيك داع من دواعي الموت، وأنت لم تتجاوز الأربعين إلاّ قليلا، فيشتد عليك الذرب، وتلقي بنفسك في أحضان أخيك, وتئن بهذه الكلمات مع أنفاسك الأخيرة:
يؤمل دنيا لتبقى له
فمات المؤمّل قبل الأمل
حثيثا يروي أصول النخيل
فعاش الفسيل ومات الرجل
أيّ أمل هذا الذي مت دونه, وأيّ فسيل رويته ولم تأكل جناه؟ يكفيك أملا هذا الكتاب الذي تركته، وإذا كنت لم تأكل جناه في الدنيا، فما عند الله خير وأبقى. قلة قليلة من أناسي هذا العالم، تركت وراءها آثاراً ظلت تحتفظ بمستواها الكفء، طيلة اثني عشر قرناً، وسيظل كتابك بإذن الله يحتفظ بهذا المستوى ما بقيت الأرض أرضاً والسماء سماء.
أوراء هذا أمل لآمل يا أبا بشر؟! نم هنيئا ..
أخوكم مجاهد بن زين السريلنكي
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[06 - 07 - 09, 09:53 ص]ـ
ووالله أخشى أن تكون المسألة الزنبورية منحولة من أولها إلى آخرها .. وليت بعض الإخوة الضراغم يبحثون لنا في إسنادها .. ففي نفسي منها شيء منذ قرأتها وأنا في سني الجامعة .. والله أعلم.
أحسن الله إليك يا شيخنا الفاضل
القصة ذكرها بسنده الخطيب في تاريخ بغداد، والسند مسلسل باللغويين الثقات.
ولم أقف على أحد من العلماء طعن في صحتها، إلا ما يوهمه كلام الإمام الذهبي في السير (وجرت مسألة الزنبور، وهي كذب: أظن الزنبور أشد لسعا من النحلة فإذا هو إياها).
فإن لم يكن تصحيفًا، فمراده بالكذب الخطأ أي خطأ هذه العبارة من جهة النحو، وهذا واضح من سياق كلامه؛ لأنه أضاف الكذب إلى الجملة التي بعدها، لا سيما وهو نفسه قد أثبت القصة في غير موضع.
والله أعلم.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[06 - 07 - 09, 09:59 ص]ـ
السلام عليكم يا شيخنا أبا مالك العوضي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا شيخنا الفاضل
ويشتد الجدال بينكما، وينقذ الموقف بعض الحاضرين محكما أعراب الحطمة الذين حضروا بباب الخليفة, وهم أعراب تركوا باديتهم منذ زمن ونزلوا ببغداد فأصاب فصاحتهم بعض الوهن، وقد كانوا يعرفون الكسائي وأين هو من الخليفة, وسواء أكانوا جميعا عليك أم كان بعضهم معك, فقد انتهى مجلس الخليفة أو مجلس يحي بن خالد على أنك المهزوم، وما أنت بالمهزوم. ولك في القرآن الكريم أعظم حجة فقد اطّرد فيه الرفع على الابتداء والخبر في مثل هذا الأسلوب: {فَإِذَا} , {فَإِذَا} , ولكن الناس زلفى إلى من له صلة بالحكام.
هذا كلام واضح البطلان، وهو ترديد وتكرير لما لاكه القدماء والمعاصرون من اتهام الكسائي.
وما كتبتُ هذا المقال إلا في الرد على مثل هذا الكلام.
ولم يختلف اثنان على أن الرفع جائز، وليس في القرآن حجة على أن النصب غير جائز، ولا يقول هذا إلا من لم يتصور المسألة.
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[06 - 07 - 09, 07:37 م]ـ
وجرت مسألة الزنبور، وهي كذب: أظن الزنبور أشد لسعا من النحلة فإذا هو إياها
لا تكون (كذب) لثلاثة أمورٍ:
الأول: أنه قد أثبتها قبلُ؛ إذ قال: (وجرت مسألة الزنبور)؛ فكيف ينفيها بعد ذلك؟ ولو كان يرى كذبَها، لقال: وزعموا أنه قد جرت مسألة الزنبور.
الثاني: أن هذا من الأخبار المشهورة المعروفة التي لا يُظنُّ بمثل الذهبي رحمه الله أن ينفيها.
الثالث: أنه لا يستقيم إعراب ما بعد (كذب) إعرابًا صحيحًا؛ فلو جعلناها مضافًا إليه، لكان مقتضَى هذا تعريفَ مسألة الزنبور، والإخبار عنها بأنها (كذب هذا الكلام)؛ وهي ليست كذلك. وإنما مسألة الزنبور (أظن الزنبور ... ). هذا مع اضطراب هذا المعنى، وسقوطه. فإن قطعناها عن الإضافة، بقِيت الجملة بعدَها لا محلَّ لها، ولا تعلقَ لها بما قبلَها.
والذي يَظهر لي أن (كذب) مصحفة عن (كذا)؛ فيكون الكلام:
(وجرت مسألة الزنبور، وهي كذا: أظن الزنبور أشد لسعا من النحلة فإذا هو إياها).
ويكون لفظ الجملة بعدَها بدلاً.
ولعل لدى أبي مالك - بارك الله فيه - ما يُدلي به.
¥