[الشيخ علي الطنطاوي كما عرفته]
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[28 - 11 - 07, 08:17 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين
اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
[الشيخ علي الطنطاوي كما عرفته]
عبدالقدوس أبو صالح
المصدر: مجلة الأدب الإسلامي - المجلد التاسع
العددان الرابع والثلاثون والخامس والثلاثون 1423هـ - 2002م ص4.
إنه علي الطنطاوي شيخ الأدباء في الشام، وأديب العلماء وجاحظ القرن العشرين.
كانت أول معرفتي به في مسجد الجامعة السورية، التي سميت بعد ذلك بجامعة دمشق بعد أن كثرت الجامعات في سورية. ومع أن أول حديث سمعته منه قد مضى عليه نحو من نصف قرن، فإني مازلت أتمثله، وأتمثل فيه شخصية الطنطاوي التي لم تتغير في خاطري: شخصية الأديب المطبوع، الذي يجمع بين بلاغة الكلام وخفه الروح، وشخصية الداعية الذي يطرق موضوعه بصراحة واضحة، وجرأة نادرة مما جر عليه غضب المسؤولين في كثير من المواقف، ولكنه أكسبه محبة وشعبية ومصداقية لدى معظم الناس؛ خاصتهم وعامتهم ومثقفيهم وأمييهم، لا نستثنى من ذلك إلا أدعياء التحرر الزائف ودعاة التغريب.
أيام لا تنسى:
وزادت معرفتي بالشيخ الطنطاوي في مدينة الرياض عندما قدم إليها سنة 1989هـ / 1963م أستاذاً في الكليات والمعاهد العلمية التي صارت بعد ذلك جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وقد أفرد الشيخ خمس حلقات من مذكراته عن العام الدراسي الذي أمضاه في الرياض، ولكنه مع حديثه عن شعوره بالغربة وضيقه بالوَحدة، لم يذكر تلك السهرة نصف الشهرية التي كنا نعدها من أسعد الساعات وأجمل الأوقات، وكان ممن يحضر تلك السهرة عدد من الزملاء والأصدقاء الذين ذكرهم الشيخ، ومنهم الأستاذ عمر عودة الخطيب ود. مصطفى الخن، ود. محمد الصباغ، ود. محمد علي الهاشمي، والأستاذ تيسير العيتي والأستاذ مصباح السعدي، وكان الدكتور عبد الرحمن الباشا - رحمه الله - يحضرها في بعض الأحيان.
وكانت مجالسة الشيخ في تلك السهرة لا تمل، فهو قطب السهرة، وهو ينتقل في حديثه - على طريقة الجاحظ - من موضوع إلى خبر إلى شعر، ويتخلل ذلك نوادره التي منها ما يحفظه، ومنها ما يكون مما حدث معه في حياته المديدة، سواء في سلك القضاء، أم في سلك التعليم، أم في مخالطته للناس خارج إطار الوظيفة التي تحدث في ذكرياته عن كثير من نوادره الواقعية في أثنائها.
ومع أن سهرتنا مع الشيخ كانت في منزل صديق عزب فإنها كانت تتخذ أحياناً صورة تسمى بالدور، وهنا أذكر من طرائف الشيخ التي كانت بديهته تدفعه إليها، فتولد في لحظة سريعة أن دور السهرة كان في منزلي، وكان أن جلسنا على السطح، وقد صفا الجو، وطابت نسمات الصبا في ليالي الرياض، ولما فرغ الضيوف مما يقدم عادة في مثل تلك السهرة ناديت الخادمة التي كانت تعمل في منزلي، وكانت تسمى غزالة، ولما سمعني الشيخ أردد قولي: يا غزالة تعالي خذي السفرة، إذا به يقول: أي غزالة تلك التي تناديها، والله ما يحمل هذه السفرة إلا حمار، فكيف تحملها غزالة؟! وضحك الضيوف الكرام حين رأوني لا أمد يدي لحمل السفرة التي لا يحملها في رأي الشيخ إلا حمار.
وكان الشيخ على سجيته في تلك السهرة لا يتكلف، ولا يتورع أن يكون مثل شبيهه الجاحظ فيورد من النوادر ما يخطر على باله دون تحرج، وكان معنا صديق يميل إلى الرّصانة والشدة، فقال له: يا شيخ على: إنه لا يليق أن تذكر من النوادر ما لا يليق بمقامك. واستجاب الشيخ فوراً وقال له: أرجو أن تكون أميراً على. حتى إذا رأيتني أقول ما لا تراه لائقاً نبهتني فارعويت. وقبِل الزميل هذه الإمارة على الشيخ، فما مضت برهة من الوقت حتى خطرت على ذهن الطنطاوي إحدى تلك النوادر التي لا تعجب الزميل المتشدد، فقال الطنطاوي: بالإذن من الأمير سأقول هذه النادرة، ثم تكرر ذلك الاستئذان في تلك السهرة مرات ومرات، وعندئذ قال الزميل: اشهدوا أني استقلت من هذه الإمارة التي (تبهدلتُ) بها.
¥