تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إعادة النّظر في كتابة التّاريخ الإسلاميّ

ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[20 - 11 - 07, 01:45 ص]ـ

إعادة النّظر في كتابة التّاريخ الإسلاميّ

بقلم: د. هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية

بسم الله الرحمن الرحيمكنّا نود أن يكتب التّاريخ الإسلاميّ بنفس دقّة المنهج الذي دُوَِّنت به كتب الأحاديث .. ولكن تدوين التّاريخ لم يحظ بهذه العناية .. وقد يرجع ذلك إلى عدّة عوامل منها: أنّ الكثير من كتب التّاريخ خضعت لهوى الحكّام, إمّا رغبة في نوال ما عندهم، أو رهبة من سطوة الدّولة أو لميل المؤرّخ لتوجّهات الدّولة .. حتّى إنّ الكثير من الوثائق والمُكاتبات الهامّة قد تمّ طمسها أو إخفاؤها بسبب تدخّل بعض الحكّام .. وقد تنبّه الإمام الحافظ الذّهبي لهذه الحقيقة التّاريخيّة حيث يقول في ترجمته لعبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس الأمير وأنّه ليس بحجّة: "ولعلّ الحفّاظ ربّما سكتوا عليه مُداراة للدّولة" 1 (الذهبي: ميزان للذهبي ج2 ص620 .. نقلاً عن العواصم لابن الوزير ج8 ص40,41) .. وهي كلمة تعضد وجهة نّظرنا هذه، كما أنّنا نرى أنّ ابن الأثير صاحب كان متحيّزا للأسرة الزّنكيّة الذّاهبة على حساب صلاح الدّين الأيّوبي .. وممّن تأثّر بهذا الدّكتور حسين مؤنس في كتابيه (نور الدّين زنكي) و (صور من البطولات العربيّة والأجنبيّة) .. أو لأنّ التّاريخ كان يدوّن في فترة حكمهم .. ممّا جعل بعض علماء التّاريخ يغضّ الطّرف عن أحداث هامة للدّولة المنصرمة بُغية تحسين فترة حكم هذه الدّولة .. وتشويه خصومها الذّين قاموا على أنقاضهم لكن حملة التّشويه بدأت فجّة قويّة في دولة بني بُويه .. هذه الدّولة الشّيعيّة الخبيثة التّي أفسدت التّاريخ الإسلاميّ إلى وقتنا الحاضر. وقد استمرّت حملة التّشويه إلى أن كانت اليد الطُّولى للمستشرقين منذ قرنين في تشويه وتقبيح التّاريخ بل و تعمّدهم إبراز الحركات الهدّامة كالزّنج والقرامطة، ودولة بني بُويه ... الخ.

ولمّا كنّا نمسّ هذه القضية مسّا خفيفا فإنّنا سنوضّح الصّورة في النّقاط الموجزة التّالية:

أولاً: الدّولة الأمويّة الأولى والثّانية

لقد تعرّضت الدّولة الأمويّة لحملة تشويه من بعض الإسلاميّين قبل المستشرقين .. ولم تنصف هذه الدّولة رغم أنّها الدّولة الأنموذج في وحدة الأمّة في تاريخ المسلمين بعد عصر الخلافة الرّاشدة، وهي حالة لم تتكرّر في حقبة من حقب التّاريخ بعد ذلك .. بل العكس تماماً .. إذ انحسر دور الخلافة شيئاً فشيئاً .. حتّى دبَّ التّمزّق والتّشرذم في صفوف المسلمين فصاروا دويلات متناحرة .. وسبب عدم الإنصاف أن كتابة التّاريخ بدأت في عصر الخصوم فقد ظهر أول كتاب في تاريخ المسلمين العام لأبي حنيفة أحمد بن داود الدّينوري (ت 282 هـ) ويعتبر هذا الكتاب أقدم المصادر التّاريخيّة وهو كتاب موجز في تاريخ الإسلام حتّى أوائل الخلافة العبّاسية، لذلك هو أقرب المراجع التّي تكلّمت عن الخلافة الأمويّة، ورغم أهميّته فإنّه قد خلا من الوثائق والرّسائل التّي كانت ترسل من وإلى القوّاد وملوك الفرنجة وغيرهم .. ثمّ كتاب فتوح البلدان للبلاذري (ت 279 هـ) .. ثمّ ألف أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبري (ت 310 هـ) كتابه الذي يعتبر أغزر المصادر التّاريخيّة مادّة ويبدأ من القول في الزمان وخلق آدم وسائر الأنبياء ثم نسب النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وهجرته وغزواته وينتهي عند حوادث سنة 302 هـ. ثم جاء عريب بن سعيد القرطبي فوصل تاريخ الطبري إلى سنة 320هـ.

هكذا فإننا نلاحظ أنّ أهمّ وأقدم الكتب التّاريخيّة بل وحركة تأليف كتب السّيرة والتّاريخ قد دوّنت كلّها في أواخر الدّولة الأمويّة وعهد العبّاسيّين على مدار خمسة قرون. ومن ثم لا توجد مصادر مستقلّة كتبت في هذه الحقبة عن تاريخ الدولة الأمويّة، وعالجتها بإنصاف؛ اللهمّ إلا كتاب أنساب الأشراف للبلاذري .. (والحق - إن العصر الأموي عصر مظلوم - على أهميّته – تحامل عليه المؤرّخون القدامى، ولم يدرسه المؤرخون المعاصرون دراسة موضوعيّة تبرز أهميّته في الحضارة الإسلاميّة. فَتَعَصُّبُ العبّاسيين ضدهم ( .. ) وكذلك ارتكب الأمويّون ولاسيما المتأخريّن منهم أخطاء شنيعة أدت لا إلى ذهاب دّولتهم فحسب بل إلى تشويه سمعتهم وتصويرهم بغير

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير