[الأندلس وفضائح الأقزام لأبي عبد الرحمن ابن عقيل]
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[23 - 12 - 07, 09:21 م]ـ
الأندلس وفضائح الأقزام
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
أعني بالأقزام أمراء التجزئة، وفي التاريخ تسامح إذ سماهم ملوكاً,, وما هم بملوك ولا كرامة، بل هم أمراء مدن وأقاليم على أشلاء دولة إسلامية قائمة حتى تصيدهم الفونسو وذريته تصيد العصافير، وإنما الملوك من أقاموا الدولة الإسلامية إما على أنقاض الكفر كبني أمية في الأندلس، أو على أنقاض التجزئة والجهل والبدعة والخرافة كآل سعود في جزيرة العرب.
وللإمام أبي محمد ابن حزم كتاب عن فضائح البربر لم يصل إلينا، ولا ريب أنه سيتعرض لمآسيهم على وحدة المسلمين في الأندلس منذ ثورتهم التي عايشها أبو محمد، لا استبعد تناوله لمن أدركهم من بني ذي النون البربريين الذين هم أول ثلم على الإسلام وأهله بالأندلس,, وقد شرق رحمه الله بالأقزام؛ فقال في رسالة التلخيص لوجوه التخليص: وأما ما سألتم عنه من أمر هذه الفتنة، وملابسة الناس بهامع ما ظهر من تربص بعضهم ببعض: فهذا أمر امتحنا به نسأل الله السلامة، وهي فتنة سوء أهلكت الأديان إلا من وقى الله تعالى من وجوه كثيرة يطول لها الخطاب,, وعمدة ذلك أن كل مدبر مدينة أو حصن في شيء من أندلسنا هذه أولها عن آخرها: محارب الله تعالى ورسوله، وساع في الأرض بفساد,, والذي ترونه عياناً من شنهم الغارات على أموال المسلمين من الرعية التي تكون في ملك من ضارهم، وإباحتهم لجندهم قطع الطريق على الجهة التي يقضون على أهلها,.
ضاربون للمكوس والجزية على رقاب المسلمين، مسلطون لليهود على قوارع طرق المسلمين في أخذ الجزية والضريبة من أهل الإسلام، معتذرون بضرورة لا تبيح ما حرم الله,, غرضهم فيها استدامة نفاذ أمرهم ونهيهم؛ فلا تغالطوا أنفسكم، ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم.
ويقول رحمه الله: وأما الباب الثاني فهو باب قبول المتشابه، وهو في غير زماننا هذا باب جديد لا يُؤثَّم صاحبه، ولا يؤجر، وليس على الناس أن يبحثوا عن أصول ما يحتاجون إليه في أقواتهم ومكاسبهم؛ إذ كان الأغلب هو الحلال، وكان الحرام مغموراً,, وأما في زماننا هذا وبلادنا هذه: إنما هو باب اغلق عينيك، واضرب بيديك، ولك ما تخرجه إما تمرة وإما جمرة,, وإنما فرقتُ بين زماننا هذا والزمان الذي قبله؛ لأن الغارات في أيام الهدنة لم تكن غالبة ظاهرة كما هي اليوم,, والمغارم التي كان يقبضها السلاطين فإنما كانت على الأرضين خاصة؛ فكانت تقرب مما فرض عُمر رضي الله عنه على الأرض,, وأما اليوم فإنما هي جزية على رؤوس المسلمين يسمونها بالقطيعة، ويؤدونها مشاهرة، وضريبة على أموالهم من الغنم والبقر والدواب والنحل,, تُرسم على كل رأس وعلى كل خلية,, شيء ما، وقبالات ما تؤدي على كل ما يباع في الأسواق، وعلى إباحة بيع الخمر من المسلمين في بعض البلاد,, هذا كله ما يقبضه المتغلبون اليوم، وهذا هو هتك الأستار، ونقض شرائع الإسلام، وحل عراه عروة عروة، وإحداث دين جديد، والتخلي من الله عز وجل.
ثم يقول بفورة غضب من أجل الله سبحانه: والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها؛ فنحن نراهم يستمدون النصارى؛ فيمكنونهم من حُرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم,, يحملونهم أسارى إلى بلادهم، وربما يحمونهم عن حريم الأرض وحشرهم معهم آمنين، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً؛ فأخلوها من الإسلام، وعمروها بالنواقيس,, لعن الله جميعهم، وسلط عليهم سيفاً من سيوفه , ومن سخفهم أنه كل خصي أو صقلبي أو بربري ملك مدينة أو حصناً يتسمى بالخليفة أمير المؤمنين,, قال أبو الحسن بن رشيق:
مما يزهِّدني في أرض أندلسٍ
أسماء معتمدٍ فيها ومعتضدٍ
ألقابُ مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ
وقال آخر:
وتفرقوا شيعاً فكل محلة
فيها أميرُ المؤمنين ومنبرُ
وقال أبو الحسن بن الجد:
أرى الملوك أصابتهم بأندلس
دوائرُ السوء لا تُبقي ولا تذرُ
ولما حضر الشاعر ابن مقانا الأشبوني أمام إدريس بن يحيى الحمودي- الذي سموه خليفة!!، وأنشده قصيدته النونية التي مطلعها:
وكأن الشمس لمّا أشرقت
فانثنت عنها عيون الناظرين
¥