تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العرب وتمكيناً لاحتلال اليهود. واشتركت دائرة المخابرات البريطانية واليهودية في هذه المهمة بنصيب وافر وأخذت على عاتقها إشاعة الحوادث المثيرة والأخبار المضللة، ونشر الذعر بين الأهالي الآمنين من العرب، وخاصة على أثر المذابح التي اقترفها اليهود. وكان المخابرات البريطانية وأعوانها من موظفي حكومة الانتداب أكبر الأثر فيما حدث في مدينة (يافا) من هذا القبيل أيضاً مما أدى إلى خروج أهلها العزل، والتجائهم إلى أماكن أخرى من فلسطين أو إلى الأقطار العربية المجاورة. أما في القدس الجديدة فقد منعت القوات البريطانية المجاهدين الفلسطينيين من المرور عبر مناطق السلامة التي كان جنودهم يحتلونها ثم لم يلبثوا أن سلموا تلك المناطق – مع معسكر العلمين الكبير الواقع جنوب القدس – إلى قوات الهاجانا اليهودية في 13و14 مايو 1948م وبذلك أصبح اليهود يسيطرون على القدس الجديدة، ويتحكمون في القدس القديمة أيضاً.

كارثة اللد والرملة:

وأما كارثة اللد والرملة فقد نشأت من أن الجنرال جلوب سحب فجأة قوات الجيش الأردني التي كانت مرابطة فيهما، بعد ما جرد قوات الجهاد المقدس التي كانت مرابطة في مطار اللد ومحطة السكة الحديد وغيرهما، من سلاحها، بحجة الهدنة الأولى، واعداً بإرجاعها بمجرد انتهاء الهدنة. ولكنه أخلف وعده عندما استأنف القتال في 9 يوليو 1948، فسقطت اللد والرملة وعشرات القرى المحيطة بهما في أيدي اليهود واضطر نحو مائة ألف من أهلها للنزوح، يضاف إليهم من لجأ إلى المدينتين المذكورتين من أهل مدينة يافا وقراها، وهم لا يقلون عن خمسين ألف نسمة أيضاً، وقد روي لي أحد رجال الدين المسيحي المحترمين أنه سمع من سيادة المونسنيور وكيل بطريرك اللاتين في فلسطين ن جلوب بعث ببرقية تهنئة لقائد الجيش اليهودي على احتلاله اللد والرملة، ولما صادفه المونسنيور المذكور وعاتبه على برقيته، أجابه جلوب بقوله: هذه هي السياسة. ونحن حين نعرض لذكر الجنرال جلوب باشا الإنجليزي لا نرمي إلى تجريحه شخصياً فهو يعمل لصالح أمته ويقدم لها الخدمات الجلي، ولكن اللوم يقع على بعض العرب الذين ولوه القيادة العامة الفعلية أثناء حرب فلسطين. وبعد الهدنة الثانية توالت اعتداءات اليهود على المناطق العربية، وانسحبت قوات الدول العربية من مناطق الجليل الغربي وجنين وبعض مناطق القدس وبيت لحم والخليل والنقب والمجدل، فجلا أهلها منها تبعاً لذلك بالضرورة، ثم وقعت اتفاقية رودس، وأعقبها تسليم جيش الجنرال جلوب لليهود أراضي المثلث العربي ومساحات واسعة من مناطق القدس وبيت لحم والخليل والبحر الميت كما ذكرناه آنفاً، فنزح عنها أهلها بعد ما عاث فيها المجرمون اليهود قتلاً وتدميراً ونهباً وسلباً. وهكذا لم يحل ربيع عام 1949 حتى أصبح ما يقرب من مليون عربي فلسطيني مشردين من بلادهم ولاجئين إلى الأقطار العربية.

الهيئة العربية عارضت في خروج العرب من فلسطين:

أما فيما يتعلق بالجواب على الشق الأخير من سؤالكم، فقد كان رأيي الذي أعلنته مراراً، وأبلغت الجهات العربية ذات الشأن، أن يبقى عرب فلسطين في بلادهم، وأن يدافعوا عنها حتى النفس الأخير، وأن لا يجلوا لأي سبب من الأسباب. وأذكر مثلاً على ذلك أن سيادة المطران جورج حكيم مطران الروم الكاثوليك في حيفا وعكا وسائر الجليل رغب في نقل الأطفال من حيفا إلي لبنان عند اشتداد المعارك إشفاقاً عليهم، فلما بلغ الهيئة العربية العليا ذلك عارضت في نقلهم إلى لبنان، وأبلغته أنه إن كان ولا بد من النقل فليكن إلى المدن الداخلية في فلسطين. هذا وقد تنبهت الهيئة العربية العليا إلى ما يقصده الإنجليز من موقفهم، واليهود من عدوانهم، فأذاعت في شهر فبراير 1948بياناً على الشعب الفلسطيني دعته فيه إلى البقاء في بلاده، وأن لا يجلو عنها بأي حال من الأحوال، وفي الوقت نفسه طلبت الهيئة العربية من اللجان القومية – وهي الهيئات الوطنية الممثلة للشعب الفلسطيني في كافة المدن والمراكز الكبرى من فلسطين – ومن قيادة الجهاد الوطني المقدس، وقواد المناطق، العمل على منع الأهلين من مغادرة البلاد، وفوضتهم في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بذلك، وطاف أعضاء من الهيئة العربية بمختلف المناطق الفلسطينية ينبهون الناس ويحذرونهم من الخروج وترك البلاد. وفي اليوم الثامن من شهر مارس عام 1948 قدمت الهيئة العربية العليا مذكرات إلى الحكومات العربية التمست فيها أن لا تعطي تأشيرات سفر لأي فلسطيني إلا في حالة الضرورة القصوى كأن يكون الراغب في السفر مريضاً يخرج للاستشفاء أو تلميذاً يسافر للدراسة، بعد التثبت من ذلك بواسطة اللجان القومية. وقد حمل مندوبون من الهيئة العربية العليا تلك المذكرات إلى العواصم العربية وسلموها إلى المسئولين من رجالها، شارحين لهم الأسباب الموجبة لذلك. ومن دواعي الأسف أنه لم يؤخذ برأي الهيئة العربية في هذا الأمر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير