تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحقيقة أن ابن كثير كان يشعر في كثر من الأحيان أن ما يرويه هو من هذيانات المؤرخين وخرافاتهم .. لكنه يذكره اتباعاً للمؤرخين السابقين للرد والتنبيه عليه .. و يقدم ابن كثير عذره في مثل هذه الأماكن قائلاً: (لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفسير و غيرها من التواريخ وأيام الناس، لما تعرضنا لسقاطتها وركاكتها ومخالفتها للمعقول والمنقول). البداية والنهاية (1/ 114) و (5/ 96 – 97).

وهذا يدل على حبه للجمع والاستقصاء، فيجمع في كل موضوع يطرقه جميع ما عثر عليه بوسائله، فكان هذا هو السبب في تجاوز حدود السيرة في البداية والنهاية، حيث وقف له ابن كثير نحو ثلث كتابه التاريخي.

وقد اعتمد ابن كثير في عرض المادة التاريخية على التلخيص والاختصار والنقل بالمعنى عن مصادره، وخاصة في القسم الخاص بتاريخ الإسلام، و ذلك لأنه لم يكن أمامه مجال في إرخاء العنان لقلمه، ونظراً لطول الحقبة التي كان عليه أن يجمع تاريخها، وتعدد الموضوعات التي اهتم بذكرها، وتنوع المصادر وكثرتها، فاستوعب ابن كثير ما جاء في الحوادث عند المؤرخين قبله، ثم سردها ملخصاً على لسانه في سياق واحد متماسك مع الإشارة والإحالة على مصادره التي استقى منها معلوماته، و ذلك عند الخلاف والرد والإنكار أو التأييد والاستشهاد والاعتضاد.

وإذا أتينا إلى تقييم تاريخ ابن كثير رحمه الله – ولسنا أهل لذلك – نقول وبالله التوفيق:

بذل ابن كثير جهداً كبيراً في إبعاد الإسرائيليات والموضوعات والأساطير الخرافية والقصص الشعبية القديمة التي دخلت عند المؤرخين المسلمين في قسم المبتدأ وقصص الأنبياء من تاريخه .. وقد نجح في ذلك إلى أبعد الحدود حين عرض المادة التاريخية القديمة عن عصور ما قبل الإسلام على القرآن والحديث و حققها، فأقر ما وجد منها موافقاً في نظر العلم الإسلامي ورد ما رآه مخالفاً، مبيناً ما فيه من ضعف أو نكارة أو غرابة أو شذوذ.

وهذه ميزة تفرد ابن كثير على من سبقه وخلفه من المؤرخين، فإننا لا نعرف أحداً منهم درس التاريخ القديم في مكان واحد مثل دراسته، ووقف له مثل موقفه، حتى إن المؤرخين الذين جاؤوا بعده لم يقوموا عمله ولم يسدوا الثغرات التي بقيت عند ابن كثير غير مدروسة باعتباره أول من قام بمثل هذه الدراسة، فلا غرابة أن تبقى في كتابه أخبار إسرائيلية وأحاديث موضوعة تحتاج إلى نظر جديد ودراسة أوفى من ابن كثير.

واتسمت السيرة النبوية عند ابن كثير بالطول والإحاطة الشاملة لجميع نواحي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من ولادته إلى وفاته. وقد ألحقت بها أول مرة في التاريخ العام موضوعات أفردها العلماء المصنفون من قبل بالتأليف، وهي: الشمائل والدلائل والفضائل والخصائص التي ذكرها ابن كثير باعتبارها من متعلقات السيرة النبوية الشريفة. وقد جمع ابن كثير في السيرة أكبر قدر ممكن من المواد – لا مجال للمزيد عليها – من كتب السير والمغازي والتواريخ القديمة ودواوين المحدثين الكثيرة، مما زاد من قيمة هذا القسم كثيراً في تاريخه.

أما تاريخ الإسلام، فقد دون فيه ابن كثير تاريخ نحو ثمانية قرون، تعرض فيه للكلام على أحداث إسلامية كبرى واختلفت فيها الآراء وتشعبت فيها مناهج التفكير، فأدلى فيها بآرائه، بناها على العلم والتحقيق والدليل.

وقد أبرز ابن كثير في تاريخ الإسلام نواحي مشرقة زاهرة، حثاً للمسلمين على عمل الخير واتباع الحق، كما أشار إلى ما طرأ على المسلمين من ضعف وانحطاط في بعض العصور، وبين سبب ذلك للنصيحة والعبرة والدرس، وقد كان لجمعه بين الحوادث والتراجم أثر في احتواء تاريخه على أخبار علمية وثقافية إلى جانب الحوادث السياسية والفتن والحروب.

وكان ابن كثير في تاريخه قوي الملاحظة، دقيق الربط بين أجزاء الحوادث ولو تباعدت أيامها، فلم يترك شاردة ولا واردة إلا أحصاها .. وعلى هذا فإن كتابه سجل قيم للتاريخ السياسي والاجتماعي والعلمي والأدبي والثقافي للبلاد الإسلامية عامة ولدمشق والبلاد الشامية خاصة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير