ثانيهما: أنَّ القرآن العظيم يحتاج إلى تدبّر وتفكّر، ومفتاح ذلك وأسّهُ فهم المعاني وإدراك تفسير الآيات، والكتب في ذلك كثيرة متعددة وللنّاس في تقديم بعض دون بعض طرق ومذاهب وآراء شتّى، وللمذاكرة العلميّة وتبادل الخبرات: عندي أنَّ على رأسها خمسة كتب وهي:
1 - تفسير الإمام الطبري، وهذا التفسير كالأكمة الملتفّة أشجارها تندُّ منها بقيّة التفاسير، فهو حياضها الجامع لها، ومن أتى بعده فهو عيال عليه، ولا يعرف قدر هذا التفسير ومكانته العظيمة إلا من مارس القراءة فيه وقرنه بغيره من الكتب ليرى عظيم أثره فيها.
2 - تفسير الإمام القرطبي، وهو تفسير حوى علماً عظيماً، وزاد على "علم التفسير" أن أحيى معه علم الاستنباط والتفقّه فعرض لأحكام القرآن، فيتعلّم الناظر فيه كيف يتفقّه ويستنبطُ.
3 - تفسير الإمام النسفي، وهذا من أفضل التفاسير المختصرة على الإطلاق وأعدلها جمعاً بين التلخيص والوجازة وإحكام المعنى، يجمع بين إيضاح المعنى من الآية وبين اختصار الفظ ورشاقته، ويورد ما فيها من دقائق البيان، وسمعتُ الشيخ العلامة الدكتور عبدالكريم الخضير يثني عليه مراراً وينصحُ بتكرار القراءة فيه.
4 - تفسير الإمام ابن كثير، وقد وصفه السيوطي في "طبقات الحفّاظ" بأنه التفسير الذي لم يؤلف على نمطه أحدٌ، وجلالة هذا التفسير في أنه يورد الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلّم، ويُكثر من ذلك فيستوفي الكلام على الآيات بربطها بالسنّة النبويّة الواردة فيها فيخرج القارئ للكتاب وقد تشبّع بنور الوحيين.
5 - تفسير العلامة الطاهر بن عاشور والمسمّى "التحرير والتنوير"، وهو كتاب فذ فريد في بابه، مكث مؤلفه في تأليف أربعين سنة حتى استوى على سوقه وبلغ به الغاية، ولم ينصفه من ذكر أنه مستل من "الكشاف" للزمخشري أو من حواشيه، بل هو أملأ منها علماً، وأغزر فائدة، وأكثر إحكاماً، وأسلم طريقةً، وفيه تحرير دقيق لعدد من المواضع التفسيرية المُشكلة.
هذا فيما يتعلق بالكتب، وأما فيما يتصل بالذين تعرّضوا لنفحات القرآن، وخاضوا لجّة التدبّر والتفكر والاستنباط، فمنهم طائفة لا بد من الرجوع إلى كلامهم وتكرار القراءة فيه والتأمّل حتى يتحصل لقارئ القرآن التدبّر والتفكّر مع الممارسة والترداد، ويأتي على رأس هؤلاء خمسة من الأعلام وهم:
- ابن تيمية، وقد جُمع كلامه في التفسير، ولا يكاد يخلو كتاب من كتبه من التعرض للقرآن العظيم بالتأمل والتدبّر والاستنباط والتفسير.
- ابن القيّم، وكلامه مجموع كذلك.
- ابن سعدي، وقد أتى بما تنشرح له الصدور وتقرُّ به الأعين في تفسيره من دقائق الاستنباط وجليل الحِكم، وقد طُبع من تفسيره لدى مؤسسة الرسالة فقط 15 مليون نسخة، بله طبعاته الأخرى السابقة واللاحقة، وقد كتب تفسيره وهو في بحر الثلاثين من عمره رحمه الله.
- سيّد قطب، في كتابه الفذّ "في ظلال القرآن" وهو كتاب روح مؤلفه حاضرةٌ حيّة فيه.
- الشعراوي، وهو من العجائب في التفسير والاستنباط وتذليل سبل البلاغة الصعبة وإنزالها من برجها العاجي النخبوي إلى مستوى العامة، وللعلامة الدكتور محمود الطناحي مقالة مهمة عن الشيخ الشعراوي ومنهجه في التفسير وهي ضمن "مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي" 1/ 280.
ثمَّ ختام المسك في الحديث عن تحزيب القرآن وتدبّره والتطواف بدرره ومعانيه الإشارة إلى مشروع "تدبّر" الذي يقوم عليه إشرافاً وعناية وإعداداً وإمداداً جمعٌ من أهل العلم والفضل من أهل القرآن وخاصّته، ويأتي على رأسهم الشيخ الدكتور عمر بن عبدالله المقبل وصنوه وصاحبه الشيخ الدكتور محمد الربيعة، وهذا مشروعٌ حي نابضٌ عظيم بعظمة الرسالة التي يحملها، من أراد أن يحرّك قلبَه بعجائب القرآن ويقفَ عند قوارعه ويهتزَّ رغبة ورهبة وشوقاً وأنساً فليحط ركابه بساحة "جوال تدبّر" ويكرّر النظر في مختاراتهم ومنتخباتهم، ففيها خير عميم.
والله تعالى أعلم.
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[09 Aug 2010, 06:03 م]ـ
مقالة قيمة جداً جداً بارك الله في كاتبه وناقلها إلينا. توقفت فعلاً عن سبب تحزيب النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن على هذا النحو، 3 - 5 - 7 - 9 .... فلا بد أن لهذا سبب أو دلالة إلى رابط ما بين هذه السور ولا أدري هل اهتدى لهذه الأسباب أحد من العلماء سابقاً أو لاحقاً وهل بحث هذا الموضوع؟ أفيدونا أفادكم الله،
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[10 Aug 2010, 01:50 ص]ـ
مقالة رائعة من الأخ العزيز ماجد _ وهو كاتب مبدع _ ولقد ارسلها على بريدي اليوم، فعزمت على وضعها في الملتقى وإذا بالمشرف العام السبَّاق للخير دوماً قد وضعها. فجزاه الله خيراً على الدوام. وبارك الله في ما يكتبه الشيخ ماجد.